الأحساء - فهد الشويعر
دارت عجلة الحياة في الأحساء بتنوع ملحوظ من حيث الجمال الطبيعي والصناعي والتراثي الذي يدهش من زارها لما تمتاز به هذه الواحة من جمال الطبيعة الخضراء وعذوبة مائها الوافر الذي يتدفق من جوف الأرض منذ الزمان، إضافة إلى تراثها الشاهق والصامد في وجه المتغيرات الطبيعية حيث تجد القلاع والحصون العتيقة التي بنيت بحرفية عالية وهندسة معمارية فائقة الدقة، فكان من بين ذلك:
بحيرة الأصفر
تقع بحيرة الأصفر في الجزء الشرقي من مدينة الأحساء وتتألف في الأساس من مياه الصرف الزراعي (وهي توأم لأختها صراة العيون شمال مدينة العيون) حيث تسير قنوات الصرف لتتجمع في قناة رئيسة تصب نهاية في البحيرة وتلعب البحيرة دورا آخر في الشتاء حيث تنقل هذه المصارف مياه الأمطار، تحيط بالبحيرة الكثبان الرملية ولذا يعتبر الوصول إليها نوعا من الصعوبة.
ينمو حول البحيرة النباتات الصحراوية المختلفة ويأتي في مقدمتها نبات السرخس الذي ينمو بكثافة حول أطرافها وعند انحسار المياه صيفا تكون مرعى غنيا للأغنام والإبل حيث يخيم حولها جمع من أهل البادية لهذا الغرض.
تعد البحيرة محطة استراحة لهجرات الطيور المختلفة التي تعبر مرتين في العام من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال وتتنوع هذه الطيور من كبيرها كالبط والأوز إلى صغيرها كالبلابل والعصافير.
كما تضم البحيرة أسماكاً يمكن مراقبتها بالنظر وقد نمت بأحجام مختلفة نتيجة لعدم اصطيادها. وتعادل مساحة البحيرة في الحد الأعلى مساحة الواحة المزروعة ويصل طولها إلى خمسة وعشرين كيلومتراً أما العرض فيتغير بين الصيف والشتاء لأنه عبارة عن ألسن تمثل خلجانا صغيرة.
قصر صاهود
يقع قصر صاهود في حي الحزم بمدينة المبرز ثاني أكبر مدن الأحساء بمحاذاة السور الغربي للمدينة القديمة في وسط مدينة المبرز الحديثة وفي قلبها النابض حي الحزم والذي يعد الآن مركز المدينة التجاري، ويذكر أن اسم القصر مأخوذ من مدفع كبير كان منصوباً داخل القصر يطلق عليه صاهود.
وحول بنائه قال باحث الآثار الأستاذ خالد بن أحمد الفريدة إن البعض يرى أن القصر يرجع إلى أواخر القرن السابع وفي أوائل عهد أمراء بني خالد ويرى آخرون أن الذي أسسه هو الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد وذلك في العقد الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، ويعتبر بني خالد أول من سكن المبرز وجعلوها عاصمة للأحساء أثناء حكم أميرهم براك الذي تمكن من طرد الأتراك من الأحساء سنة 1082هـ ولقد كان الهدف من بناء قصر صاهود لأجل الدفاع عن المبرز من غارات الأعداء.
بني قصر صاهود على ربوة عالية ويحوي ستة أبراج دائرية الشكل تقريباً والسابع بني فوق المدخل وهو مستطيل الشكل في الجهة الغربية استخدم في بنائه الطوب المجفف بواسطة أشعة الشمس (غير المحروق) الذي يشكل على شكل مستطيل بواسطة قالب خشبي أما طريقة البناء فهي تعتمد على صف الطوب على شكل مداميك مكونة من أكثر من لبنة حيث يصل عرض الجدار إلى أكثر من أربع لبنات وتستخدم معه نفس مونة الطين المستخدمة في صناعة الطوب وتجهز الطينة التي تستخدم في أعمال البناء واللياسة بالتخمير أكثر من ثلاثة أيام ويضاف إليها تبن الأرز الحساوي لكي يزيد من تماسكها خاصة في أعمال اللياسة الخارجية للأسوار والجدران التي تعتبر أهم أجزاء القصر وطريقة بناء الأسوار والأبراج تعتمد على مبدأ رئيسي وهو بناء سور خارجي وآخر داخلي ويربطان مع بعضهما بخشب جذوع النخيل بعد أن تلف عليها حبال الليف وتسلح بها الأسوار بشكل أفقي وعمودي ويملأ الفراغ بين السورين بحجارة وطين بعد خلطها بالماء بشكل سريع وتدك بشكل جيد على مراحل لا تتعدى المتر تقريباً مشكلةً الممرات العليا للأسوار، ويلاحظ أن أسوار قصر صاهود أقيمت على ارض صلبة مباشرة بدون أساسات كما يلاحظ أن القاعدة أكبر عرضاً من الأعلى لأجل تقليل الضغط على الأسوار من الأسفل وعلى طول السور من الخارج والداخل شيدت جدران بارتفاع يحمي قامة المحارب مع تزويد الجدار الخارجي بفتحات لإطلاق النار وهي بأشكال وأنواع مختلفة بالإضافة إلى عدد من المرازيم لتصريف المياه من على سطح الأسوار المتصلة بأبراج دائرية الشكل تستخدم للمراقبة وتعتبر أعلى نقاط القصر وهي مكونة من دورين ويلاحظ أنها في قصر صاهود شيدت على شكل دائري في الأركان الأربعة وفي وسط السور الشمالي ووسط السور الجنوبي ويكون عددها ستة بينما شيد السابع على السور الغربي بشكل مربع وهو يشرف على الباب الرئيسي للقصر، وقد أخذت نفس أساليب البناء التقليدي للأسوار ولكن الدور الثاني لكافة الأبراج كان يصعد إليه بدرج يؤدي إلى سقف عمل بجذوع النخيل والجريد والطين. كما أن كافة الأبراج مزودة بفتحات لإطلاق النار في الدورين كما أقيم في الركن الشمالي الشرقي والغربي والجنوبي الشرقي درج يؤدي إلى أعلى الأسوار والأبراج المجاورة لها، كما أقيم درجان شمال المدخل يؤديان إلى برج المدخل والغرف العليا المقامة بجواره.
ومن الحماية أيضا للقصر حفر خندق عميق وحدد من الخارج بسور حماية مكون من حائط واحد بحيث لا يمكن الوصول للقصر عن طريق ممر في الجهة الجنوبية الغربية على سور الحماية أقيمت له بوابة خارجية على شكل برج حماية تعتبر البوابة الأولى الخارجية للقصر. ولكن الخندق دفن وأزيل سور الحماية الخارجي له في فترة لاحقة ولم يتبق سوى جزء من برج الحماية. حيث كان الخندق يفصل السور الرئيسي عن سور الحماية الخارجي للقصر.
وعن شكل القصر من الداخل عند البوابة الرئيسية الواقعة في الجهة الغربية المشيدة على شكل منكسر يشابه رقم (ستة) بالعربي أقيم فوقه مباشرة غرفة مراقبة على شكل برج مستطيل الشكل وشيد أمام الباب المصنوع من خشب الأثل القوي مصطبة لجلوس حراس الباب وعند تجاوزك للحارس ستجد جناحا يعتبر غرف نوم الجنود وهي بعد المدخل الرئيسي مباشرة من جهة الجنوب وهي مكونة من ست غرف مختلفة المساحات، خمس للنوم والسادسة للجلوس، وفي الركن الجنوبي الشرقي من جناح نوم الجنود هنالك غرفة المستودع يمكن الوصول إليها من داخل جناح الجنود ومن الخارج أيضا وفيها درج يؤدي إلى قبو صغير نسبياً بطول 3?3م تقريباً وأقيم على سقفه قبة صغيرة جداً لا يمكن ملاحظتها كما يمكن الوصول إلى القبو من الجهة الغربية الخارجية. ويأتي بعد المدخل مباشرة بئر القصر الذي يزود من بداخله بالمياه العذبة. ومن ثم تأتي غرفة الضيافة وهي كبيرة نسبياً ومربعة الشكل بها عمود دائري في الوسط وهي لنوم الضيوف وتفتح على المسجد شمالاً والمدخل جنوباً وفيها موقد نار وبجوارها من الخارج جنوباً درجان يؤديان إلى غرف وبرج المدخل. وعن شمالها يأتي المسجد وهو مستطيل الشكل. وتقع في الركن الشمالي الغربي من القصر الإسطبلات وهي كبيرة نسبياً وبابها يطل على الساحة الرئيسة للقصر من جهة الشرق وبها عدة مصاطب يوضع عليها أكل الحيوانات.
منتزه الأحساء الوطني
عرفت الأحساء منذ القدم بأنها أكبر واحة زراعية على وجه البسيطة حيث كان لوفرة المياه وتدفقها ارتوازياً النصيب الوافر في تحويل هذه الأرض إلى واحة غناء، كما أن لسواعد أهلها دوراً مماثلاً في إعمار هذه الأرض وإنتاج الكثير من المحاصيل التي كانت تزيد عن حاجة أهلها ويتم تصدير الفائض منها.
وقبل نصف قرن تقريباً بدأت الزراعة في الأحساء تعاني بشدة من تدهور التربة وزحف الرمال المخيف الذي كاد أن يقضي على واحة الأحساء بالكامل إلا أن لفطنة الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - ونظرته الثاقبة الدور في إنقاذ الواحة من تلك المخاطر التي تحدق بها فأمر بإنشاء مشروع الري والصرف لتوفير المياه وتحسين التربة، كما أمر بإنشاء مشروع حجز الرمال وكان ذلك في عام 1382هـ حيث تم تعيين جهاز فني وعمالة وتأمين المعدات والسيارات وتم حفر 40 بئراً، ثم سويت الكثبان الرملية، بعدها أقيمت مصدّات من سعف النخيل والجذوع، تم بعدها غرس خمسة ملايين شتلة وسمي بخط الدفاع الأول الذي يتبعه منتزه صويدرة ويقع إلى الغرب من المنتزه وتبلغ مساحته ألف دونم (الدونم يساوي 1000م2) وتمت زراعته بخمسمائة ألف شجرة منوعة من الأثل المحلي والبرسبوس والكينا ثم منتزه جواثا الذي يعتبر المصدّ الرئيسي وزرع به 20 ألف شجرة وبعده منتزه الشيباني الذي زرع فيه 40 ألف شجرة كما توجد خمسة مصدّات أخرى زرعت بها ملايين الأشجار، وتحقق لذلك حماية الواحة من خطر زحف الرمال والتي تقدر بحوالي 10 أمتار في السنة وكانت تغطي نحو 100 دونم، وحماية عشرين قرية أخرى من خطر زحف الرمال، وإحياء المنطقة الأثرية (جواثا)، حيث اعتبر هذا المشروع ومن ذلك التاريخ واحداً من أكثر المشاريع على مستوى العالم نجاحاً.
وبعد أن اكتملت البنية التحتية لمشروع حجز الرمال وتحقيق الغرض الأساسي الذي أنشئ من اجله وهو إيقاف زحف الرمال، ربط بالإدارة العام للمنتزهات الوطنية وتحول إلى منتزه وطني عام 1405هـ، حيث يقع المنتزه في شمال شرق الأحساء على مسافة 40 كم من شاطئ العقير ونحو 20 كم من مدينة الهفوف، وتقدر مساحته بأكثر من 40 كم2 تقريباً.
وتم تطوير بعض أجزائه لأغراض التنزه واستقبال الزائرين، وقامت إدارة المنتزه بتطوير بعض المواقع به، حيث تم إنشاء خمسة وأربعين موقعاً لألعاب الأطفال، كما تم التوسع في عمل المسطحات الخضراء وتقدر المساحة الإجمالية للمسطحات بـ60.000م2، وتم تزويدها بالمظلات ودورات للمياه، كما تم عمل مسيجات خضراء حول الحدائق في داخل المنتزه الرئيسي وتم تهذيب هذه المسيجات لإضفاء الطابع الجمالي للحدائق، كما تم إنشاء منطقة محمية مغلقة بمساحة 100 دونم تضم في جنباتها أنواعاً عديدة من النباتات البرية مثل شجرة الأراك والغضا وغيرها، وتم مؤخراً النجاح في إكثار شجرة الأراك، كما يضم المنتزه حديقة النخيل التي زرع فيها 22 صنفاً من أنواع النخيل المشهورة بها واحة الأحساء والتي شارف بعضها على الانقراض لعدم زراعته، كما استحدث مشتل تابع للمنتزه لإنتاج الشتلات واستخدامها في عملية التطوير والتوسع في عمليات التشجير وتحسين المواقع، وينتج هذا المشتل 130.000 شتلة سنوياً تضم 32 نوعاً تزود بها المحافظة بوجه عام.