ما مستقبل المفصولين جماعياً عن العمل من قِبل شركات الاستثمار؟ د. فوزية عبد الله أبو خالد
هذه رسالة مفتوحة أكتبها بالأصالة عن نفسي ككاتبة وهبني الرحمن نعمة التعبير عن الجمال والعدل والحق، كما أكتبها بالنيابة عن آلاف الشباب من بنات وأبناء بلدي كمواطنة أحمل ثقة وطني ككل الأقلام النزيهة في الإفصاح عن ما يجيش في صدور المواطنين من شجون وما يشغلهم من شؤون الحاضر والمستقبل.
كفى تظاهراً بالنوم
وقبل أن أمضي في الكتابة لا بدّ من التنبيه إلى أمر أطرحه وأنا جادّة كل الجد فيه، وهو أنه على كل من يقرأ رسالتي هذه أن يستيقظ إن كان نائماً، وأن يستقعد إن كان متكئاً، وأن يقف إن كان قاعداً، وأن ينزل إلى الشارع ويرى ويسمع ويلمس خطورة الوضع بنفسه، إن كان مشككاً أو كان ممن يكتفون بالتواكل على تطمينات ارصاداً ومصادر غير دقيقة أو مجاملة لئلا أقول جاهلة أو مخاتلة في توصيف وضع اجتماعي لا يبشر بخير، ويستدعي القلق والتحرك العاجل في مجال المصير المهني لشريحة واسعة من الشباب، مما يترتب على اختلال الميزان فيه اختلال الأمن المعيشي لهم وتهديد الأمن الوطني للمجتمع.
شاركوا في آلام المشهد
ماذا يا معالي الوزير أو يا سعادة المدير ويا سماحة القاضي أو سواهم من أصحاب المواقع المرموقة والمسؤوليات العظيمة لو أنك كمواطن صالح حريص، صحوت الصبح بحس المواطن الغيور على وقت عمله ومصالح الناس، لبست ملابسك وشربت قهوتك على عجل، وقد داهمك الوقت فلم تفطر، وتركت لآخرين بحكم مسؤوليات عملك، مهمة توصيل أطفالك إلى مدارسهم، ونسيت في عجلة من أمرك أن تمرّ للتصبيح على والدتك، كما أنك تركت زوجتك تتدبّر كالعادة أمر حل مشكلة مواصلاتها إلى عملها وشراء ما يلزم البيت من طلبات، حيث أنّ مهام عملك في شركة أجنبية من الشركات التي تعمل على أرضك في مجال الأعمال البنكية وغيرها من نشاطات التجارة والاستثمار، تتطلّب وجودك على رأس العمل من الشروق إلى الغروب. إلاّ أنك وبعد كل هذا الجهد وبمجرّد أن نزلت من السيارة وهممت بأن تضع قدمك بباب مبنى المؤسسة، وجدت هناك من يمنعك بجفاء ظاهر من الدخول إلى مقر عملك الذي أمضيت به زهرة شبابك، وقدمت له كل ما تملك من طاقة الشباب والإخلاص، ولم تقبل أن ينافسه على وقتك فيه أي ارتباط اجتماعي أو إنساني آخر قد يخل بتوقعات بيئة العمل التنافسية لمثل هذه الشركات.
قد تظنها للوهلة الأولى نكتة سمجة، فاليوم ليس يوم إجازة أو يوم جمعة وإن يكن يوم عطلة لم تتنبه له، فلماذا يسدون بوجهك الباب ولطالما طلب منك وكنت تستجيب حباً وكرامة بأن تعمل ساعات طويلة ما بعد الدوام، أو تأتي حتى في أيام العطل لاستكمال مهمة أو حضور اجتماع. غير أنك وقبل أن تستوعب (الصدمة) ستجد أنهم يسدون باب العمل في وجهك بخطاب طي قيدك وقيد العشرات من زملائك دون سابق علم أو إنذار. والأدهى أنّ ذلك الخطاب المفاجىء بإنهاء الخدمة لعدد عريض من الشباب السعودي، يجيء بدون ذكر سبب أو بحفنة من الأسباب (الملفقة) التي تجد في اتهام الموظف بعدم الكفاءة شماعة مناسبة لتلقي عليها لائمة إنهاء العقود، دون أي التزامات تجاه الموظفين المنهاة عقودهم بما كانت ستكون ملزمة بها، لو أنه كان هناك من يلزمها بالإفصاح عن أسبابها الحقيقية لحملة إنهاء الحياة المهنية للمئات من الشباب السعودي. إلاّ أنّ تلك المأساة التراجيدية لمهرجان تصفية الشباب السعودي من وظائفهم في الشركات الأجنبية والأجنبية السعودية للاستثمار، قد لا تكون إلاّ فصلاّ أولاً في مسرحية اللعب بالمصائرالمهنية لشبابنا، والتي لها من الأخطار الكامنة ما قد يمتد إلى صميم مسألة الأمن المعيشي والأمن الاجتماعي والوطني، وأمن العلاقات الاجتماعية بين المواطن والمقيم من أبناء نفس المهنة.
لا للتعصب نعم للمساواة
* ماذا يوجد لدينا لحمل شركات الاستثمار الأجنبية على تطبيق قانون العمل الدولي على الموظفين والعمال؟؟
فذلك الموقع الشبكي على سبيل المثال الذي نادى بذلك (الموقف العصابي المتعصب) الذي يقول (السعودية للسعوديين فقط) في مجال التوظيف بالقطاع الاستثماري، مما انتقده بحق أ. زياد الإدريس في مقاله بجريدة الحياة ليس من وجهة نظر أرى أنها مكملة لما جاء في ذلك النقد البنّاء، إلاّ أحد الظواهر الخطيرة التي يولد بعضها اليوم من رحم موقف تلك الشركات (المتعصب) هو الآخر في تصفياتها الواسعة لعدد كبير من الشباب السعودي في منشآتها، بدعوى مواجهة الأزمة المالية وخفض أعداد موظفيها السعوديين عالي التكلفة، بالمقارنة لكادرها من دول العالم الثالث الأخرى. إنّ مثل هذا الموقف التعصبي، مع الأسف، يتطوّر بسرعة اندلاع النار اليوم في دول المنشأ الأوربية والأمريكية المتقدمة للكثير من هذه الشركات، بما يكاد يشعل حريقاً من (علاقات التعصب المؤلم المتبادل بين العاملين من المواطنين هناك وبين القادمين للعمل)، إلاّ أنّ مثل هذا الحريق في تلك الدول، تجري محاولة تطويقه بقوة عن طريق مواقف مقابلة صلبة تتخذها (اتحادات العمال) هناك. ويجري بعض ذلك بالرجوع لما يسمّى لديهم بالمرجعية القانونية ا?لمنظمة لعمل الشركات (code of behavior) بما يضع على تلك الشركات الخاصة التزامات تجاه كوادر عملها عمالاً وموظفين أياً كانوا (مواطنين أو مقيمين) حتى في أوقات الأزمات المالية، حيث تستند معظم تلك البنود الحقوقية على بنود منظمة العمل الدولية للأمم المتحدة.
والسؤال إذن ماذا يوجد لدينا على مستوى حكومي وعلى مستوى تنظيمي أهلي من ضمانات يملكها الموظف أو العامل في وجه أي خلل في أداء تلك الشركات الأجنبية السعودية الكبيرة تجاه مصيره المهني؟. وما المرجعية القانونية التي تردّ أي جور قد يلحق بالعاملين من قِبل جهات عملهم في مثل هذه الحالة المحددة من التصفيات الجماعية أو سواها الجارية لشبابنا الآن؟.
شاركوهم مشهد القبض على الأمل
وهنا أنتقل مع معالي الوزير وسعادة المدير وسماحة القاضي وسواهم من أبطال المشهد الأول في هذه الرسالة إلى المشهد الثاني.
بعد تسلم خطابات (التفنيش) عند بوابة المنشأة لشركات الاستثمار (دون أن يسمح لأي من الموظفين أن (يعتب) الباب الخارجي للشركة إلى الداخل، على الأقل ليأخذ ممتلكاته الشخصية من مكتبه كصورة أولاده التي كان يضعها على المكتب لتعوّضه ساعات الانقطاع عنهم طوال اليوم، حيث لا يعود من عمل الشركة إلاّ وقد ناموا، وكذلك دون أن يكون هناك أي توضيح لمصيره المالي في مسألة القروض التي تغل الشركة أعناق معظم موظفيها بها، دون الاهتمام بكيف سيتم توليد زوجته أو معالجة أطفاله، وقد ألغيت مباشرة ومع خطاب (الفصل من العمل) بطاقات التأمين الصحي، ودون أدنى اكتراث بكيف سيدفع إيجار البيت وأقساط المدارس على الأقل لحين نهاية الفصل الدراسي وتحويلهم إلى مدارس حكومية)، يجد الموظف المفصول نفسه يستلم الباب هو ومجموعة كبيرة من الزملاء قد تكون أصعب وضعاً اجتماعياً وأفدح التزامات، وبعضهم ليس في جيبه وقد جاء الفصل بدون فترة إنذار، ثمن الطعام لأسبوع آخر.
إلاّ أنه مادام هذا المشهد يحدث حقيقة لا خيالاً وقد جرى بحذافيره الموثقة دون أي مبالغة أو إبهار لعدد كبير في عقر الدار بالسعودية، وليس في أرض واق الواق، ومن قِبل شركة استثمار سعودية أجنبية، فإنّ هؤلاء الشباب وإن استلموا اضطراراً خطابات الفصل من العمل، فإنهم لن يستسلموا.
وهنا يبدأ فصل مأساوي لاحق من حرقة هؤلاء الشباب المفصولين من عملهم دون وجه حق .. توكيل محامين بتكاليف لم يحطاطوا لها، الرفع للقضاء، انتظار ممض للجلسات، إعادة جدولة الجلسات جراء تغيب الخصم، سلسلة من الإجراءات على جبهة التقاضي التي لا يبدو أنّ لخيطها بداية بعد عدة أشهر من إجراء الفصل من العمل فما بالك بنهاية الخيط.
هل تذهب الرسائل إلى عنوان المقابر؟؟
نظراً لطول طريق المحاكم وعدم وضوح ما إذا كان هناك ضوء أو عتمة في نهاية النفق ، يتوسّل الشباب عدم الاستسلام لقرارات فصلهم الجماعي التعسفي بوسائل سلمية أخرى.
كتابة خطابات تظلم من قلوب محروقة تشرح تفاصيل موقف الفصل الجماعي التعسفي لمجموعة من الشباب السعودي إلى وزارة العمل ومؤسسات أخرى، يفترض أنها مؤثرة من ذات العلاقة. إلاّ أنّ الوقت القاتل يمضي وليس من رد مكتوب ولو بكلمة واحدة فقط على ذلك السيل من الخطابات من أي من تلك الجهات، وكأنّ تلك الرسائل تضل طريقها إلى عناوين المعنيين بها وتصل إلى عنوان المقابر، حيث ليس بوسع الموتى أن يقرؤا أو يردّوا بخير أو بشر، ولا بوسعهم أن ينصروا مظلوماً أو على الأقل يسائلوا متهماً بالظلم.
ماذا سيتبقى من هؤلاء الشباب وإلى متى سيصمدون في القبض على جمرة الأمل، إذا لم يكن هناك من يملك الشجاعة ليحمل هذه الشركات على تطبيق القوانين والضمانات التي كانت ستلتزم بها تجاه موظفيها وعمالها في بلادها؟.
إلى وزير العمل بالذات وإلى من يعنيه
أمر الأمن الاجتماعي
إذن تتوجه هذه الرسالة المفتوحة بمضمونها الجسيم أولاً ومباشرة إلى معالي وزير العمل ووكيل وزارته وجهازها القانوني، كما تتوجّه لجهاز القضاء عندنا ولكل مسؤول تضعه وظيفته في موضع المسؤولية أمام الله ثم أمام ضميره وأمام قيادة البلاد، عن حقوق المواطن في الأمن المعيشي الذي يترتب عليه الأمن الوطني لمجتمعنا السعودي. وهنا أريد أن أرجو بشدة (وإنْ كان الأمر أخطر من أن يترك لأساليب الاستنخاء والرجاء)، إلاّ أنني مع ذلك أرجو من جميع من يملك القرار في موضوع هذه الرسالة التي هي رسالة شريحة واسعة من شباب الوطن، أن يحملها محمل الجد، وأن يقدِّر الخطر الذي يمثله الوضع الذي تنقله حق قدره ويعطيه الأهمية التي يستحقها، ويجد له الحلول الجذرية العملية التي لا تفرط في المصير المهني لهؤلاء ، بغير التصريحات مع أو ضد.
* في المرة القادمة تنشر أسماء هذه الشركات وخطابات الفصل الجماعي للوقوف على من تسبّب في مأساة الفصل الجماعي للشباب السعودي.