لإعادة هيكلة منشأة اقتصادية عملاقة.. يلزم التحضير لذلك بالقيام بأبحاث ودراسات تناسب حجم تلك المنشأة.. لكن ماذا يلزم لإعادة الهيكلة لفكر مجتمع نامٍ يحقق أكبر نسبة تزايد في العالم.. ويعيش في وطن شاسع.. ويكتنز أكبر مخزون للطاقة في العالم.. وفي موقع جغرافي يتحكم في اتصال ثلاث قارات.. ويقود عَقَدِياً ألف مليون مسلم.. وهو الآن على خط المواجهة الأول مع الغرب.. ومطلوب منه أن يتغير ويقود فكرياً أكثر من مليار مسلم نحو التعايش مع الآخر من خلال ترسيخ فكرة التقاء الحضارات لا صدامها.
هذا المجتمع النامي في هذا الوطن الشاسع الثري يحتاج إلى أساسيات وقواعد يرتكز عليها في انطلاقته المرتقبة نحو العالمية وتساعده في هذا المنعطف المهم من مراحل تكوينه.. لا بد إذا من قيام مؤسسة فكر سعودي تسد هذه الثغرة الهائلة في مشروع الاتجاه نحو العالم الأول الذي ينادي به سمو الأمير خالد الفيصل.
في المجتمع السعودي علماء ومفكرون لهم قراءاتهم لأحوال وسلوكيات وفكر المجتمع السعودي.. علمهم ضروري جداً في تنمية المجتمع.. لكننا محرومون من جهودهم بسبب خوفهم أو عدم وجود مؤسسات تحتضنهم فكرياً لإطلاق طاقاتهم وإبداعاتهم والتعامل معهم.. أو بسبب انسداد الطرق بينهم وبين جهات التأثير وأصحاب القرار.. فضلاً عن أن الحاضنات المفترض أن تكون داعمة لهم مثل الجامعات والأقسام الثقافية في بعض الجهات الحكومية لم توفق في استقطابهم واستثمارهم.. هؤلاء العلماء والمفكرون لا بد من جمعهم في حاضنات محفزة ليستفيد منهم الوطن.. وليكونوا نواة لمؤسسة الفكر السعودي.
إن فكرة مشروع (التغيير) مطلوبة محلياً وعالمياً.. فالهزات التي تعرض لها العالم أوجدت أوضاعاً واتجاهات نفسية واجتماعية مرحبة بالتغيير ومتطلعة إليه.. إلا أن المشروع سوف يعتمد على تفعيل وسائل قراءة الرأي العام والكشف عن نتائجه ووصف اتجاهاته والقدرة على توجيهه.. وهذا يحتم وجود مؤسسة تخدم هذا المشروع.
لقد أصبحت مؤسسة الفكر السعودي فكرة عاجلة وملحة جداً.. فهي ستكون المصدر المعرفي الذي يرسم مسارات التغيير التي سيمر بها مجتمعنا.. وإلا فسوف نضطر إلى اقتفاء المسارات المرسومة للشعوب الأخرى في المنطقة على أقل الأحوال.. وهذا قد يؤدي إلى حدوث ردة فعل شعبية رافضة.. بدلاً من كونها حالياً في أغلبها مرحبة.