يعتني المزارع بأرضه، وجودة بذوره، وصحة تربته، ووفرة ريِّه، وانبساط أرضه، ليضمن جذوراً ثابتة، وسيقاناً لنباته مستقيمة نايفة، وأغصاناً مورقة، وأوراقاً مخضرة، وثماراً مشبعة، لتكون الغذاء والدواء
ومن ثم تستطعمها الذائقة، وتتمثلها العروق، فتجري دماء صافية نقية في الإنسان، ليقوم فيه جسم سليم وعافية قادرة على العمل والعطاء، فإن المرء فيه أرض هي ضميره مأوى بذور خيره وشره، وموطن قوتهما فيه، سلامة من شر، ورواء من خير، فإن قويت بذور الشر فيه هلكت أرضه فهلكت ثماره ومن ثم آثارها، وإن قويت بذور الخير فيه سلمت ثماره وعوفيت نتائجها، والضمير مناط هيئة عمله وقوله، كما أن الأشجار النابتة مناط عمل التربة السليمة في الأرض, فكل قياس يقع على قياس يتشاركان في قيمة المحصلات مع اختلاف نوع المُقاس، فالأرض من طمي وتراب، والضمير من شعور وأعصاب وإدراك، ولهما لواحقهما وجزيئاتهما وتفاصيلهما، مهما اختلفا نوعاً فإنهما يتفقان نتائج..
وبقدر كمال عناصر جودة الأرض لتحقيق الهدف من زراعتها إثمارها، يكون كمال عناصر جودة الضمير لخلوص نتائج عمل المرء وآثاره، فثمر الشجر تستديم سلامته في عافية الأبدان وسلامتها، وثمر الضمير يستديم في سلامة الحياة وتمام منجزاتها بما فيها علائق الإنسان بالإنسان، في وشائج القربى والزمالة والجيرة انتهاءً بمنجزه حين توسم نتائج كل ذلك بصدق الأداء وخلوصه من الشوائب، وشوائب الضمير وبذوره معروفة كما هي معروفة شوائب الأرض وبذورها.
المزارع يخلص لأرضه، وعلى الإنسان أن يخلص لضميره، كلاهما منتجان.. وكلاهما معول عليه أمر سعادة أو شقاء العيش..فقط عند التفكر في نبتة الجوف.