قرأت قبل سنوات قصة للكاتب الروسي (غوغول) باسم (الأنف) وقد جعلتني هذه القصة أعطي أهمية خاصة للأنف، حتى أنني انشغلت بمراقبة الأشخاص من خلال أشكال أنوفهم، وضحكت كثيراً عندما شبه أحد الأصدقاء بعض سكان آسيا بأن أنوفهم متشابهة مثل أنوف القطط! فهم على حد قوله (بخة واحدة!) وفي المدينة المنورة، كان هناك رجل من جذور إفريقية، تخصص في بيع (النشوق) وتحفل دكانه الصغيرة بأنواع لا حصر لها من هذه المادة المنبهة للدماغ والمنظفة - كما يقال - للجيوب الأنفية كما يعتقد من يتعاطون النشوق، هذا الرجل له خشم يشبه فنجان القهوة العربية وهو في كل لحظة يمد يده على نوع من الأنواع التي يسوقها ليأخذ له شمة ولا يكثر من هذه الحركة إلا عندما يقف أمامه عشاق النشوق لشراء تموينهم اليومي أو الأسبوعي وأغلب هؤلاء يتنشقون هذه المادة من خلال أنوفهم، لذلك لم أكن أستغرب توالي العطاس من رواد المحل، عندما أمر من ذلك السوق الذي يشبه الممر.. وقد قدرت أن أنف ذلك الرجل كبر وتمدد من كثرة تنشقه لتلك المادة اللعينة.
وفي رواية (العطر) للكاتب الفرنسي (سيزكين) نكون بإزاء رجل (أنف) بامتياز، فأنف هذا الرجل لم يتخصص في شم العطور فقط، لكنه في الظلام يعرف أين يكون الخشب وأين يكون الصندل وأين تكون المرأة أو الرجل أو الطفل كل كائن حي أو جماد له رائحة خاصة يدركها عن بعد أو قرب أو في الظلام.. وهناك العديد من الحيوانات تدرك مكامن الأخطار بأنوفها وليس بعيونها أو قلوبها أو أرجلها.
ولكن ما هو السر في ضخامة أنوف الأفارقة: البيض منهم والسمر والسود معاً، وما هو السر في رقة أنوف الأوروبيين والأوروبيات هل هو الطقس العام أو طبيعة الأرض، وهي أسئلة تلف لتقف أيضاً حول السر في قوة التحمل البدنية لدى الأفارقة مقارنة بالأوروبيين، وما هو السر في نعومة الشعر الذي يشبه الجداول الرقراقة لدى الأوروبيين والآسيويين مقابل خشونة الشعر الذي يشبه الأسلاك في صلابته وقوته لدى الأفارقة؟ الأرض أم الطقس أم الموقع؟!
كل كائن من هذه الكائنات له جاذبيته الخاصة وهي ما يجعل (نعومي كامبل) تتسيد عرش الموضة وتتيه دلالاً وغروراً على مثيلاتها من العارضات الأوروبيات.
إن وظيفة (الأنف) عند الإنسان والحيوانات لها فوائد جمة، فالسيدة (الأنف) المتخصصة في العطور تخطب ودها شركات العطور في الشرق والغرب والسيد (الأنف) في شم الدخان خصوصاً النشوق له حظوة لدى أصحاب شركات التبغ وما يقال عن الإنسان يقال عن الحيوانات فالكلب (الأنف) يكلف أضعاف وزنه ذهباً فهو لا يأكل إلا أفخر أنواع الطعام ولا يشرب إلا أفخر المشروبات ولا ينام إلا على ريش النعام وسوف تجد هذه النوعية من الكلاب على مداخل أرقى الفنادق والمنتجعات السياحية خصوصاً في وقتنا الأغبر الذي ابتلى بآفة الإرهاب العابر للقارات!
وقد وجدت من تجربة شخصية أن صاحب الأنف الكبير، بغض النظر عن رسمه وكسمه، يتمتع بقدرة كبيرة على الاستمتاع بالهواء العليل وعلى الركض المتواصل دون كلل أو ملل ولمدة طويلة في الغابات والشوارع ومضامير السباق وعليك فقط القيام بعملية حسابية وسوف تكتشف أن حاصدي جوائز الركض من هذه العينة. أما ذوو الأنوف الدقيقة ففي المؤخرة، أرجو أن يكون استنتاجي صحيحاً!
وليس أدل على قيمة (الأنف) في الأدب العربي، الأقرن صاحبه البخيل بأنه لو استطاع أن يتنفس من فتحة واحدة في أنفه لفعل ظناً منه أن مجرد خروج الهواء من أنفه إسراف وما درى أن الأنف يرسل ويستقبل.. حتى العزة والكرامة قرنت بالأنفة من الأنف، والله أعلم.
فاكس: 012054137