أحياناً الكراسي الجديدة تربك من يجلس عليها، وتصبح هي وسيلة تخبط في بعض الأحيان لكل من اعتلى منصبا قياديا، من الرجال والنساء.. ونعلم أن بعض الشخصيات التي اعتلت بعض مناصب قيادية تنفيذية خلال السنوات الماضية -حتى على مستوى..
...وزاري- اصابتها لمسة جنون، ولحظات تعالي غير مسبوقة.. وقد عرف العالم العربي أن بعض الشخصيات السياسية قد أصابها جنون العظمة، كما هي الحال مع بعض الشخصيات المعاصرة في السياسة العربية.. وبدون مسميات قد تحجب هذا المقال، فقد تعالت بعض تلك الشخصيات لتصل الى درجة التشبه بالنبوة.. فقد سئلت تلك الشخصية عن أن النبي كان يرعى الغنم، فهل سبق أن رعيتم الأغنام، فأجاب: نعم، موهما القارئ والجمهور الغربي بنبوته في هذه الحياة.. وأن فكره ورؤيته جاءت من واقع نبوته التي اكتسبها في حياته.
بعض الأشخاص ممن يعتلي مناصب إدارية - وخاصة ممن هو جديد على تلك المناصب - يصابون بحالة من الإغماء، تمنع الرؤية إلى حقائق الحياة ومعطيات والواقع.. وتراهم يسمعون ممن حولهم كلاما، ويقرأون في عيون الناس حديثا يظنونه صحيحا، رغم أن هولاء ممن هم حولهم لا يصدقونهم القول، وينافقون أمامهم، ولا يعتد بما يقولونه.. فهي بطانة مرتزقة، ترتزق من الكراسي الوقتية، وتصل إلى أهداف شخصية يغلب عليها الجانب المادي، ليس إلا..
وفي المقابل، هناك أشخاص ممن يتربعون على مناصب إدارية قيادية في أجهزتنا التنفيذية عاقلون في تصريحاتهم وفي سلوكياتهم الوظيفية، ويدركون دورهم ومكانتهم دون أن يبالغوا في هذه الأدوار، ودون أن يمارسوا سلطة الجنون، ونفحات العظمة.. وتراهم يبدون - في أكثر الأحوال - أقل تواضعا مما هم عليه ومما يستحقونه، ومما هو بمقدورهم أن يفعلوه.. ولكن المشكلة ممن يرى غير ذلك، ويبدأ في حالة من الإغماء وتصيبهم الضبابية التي تجعل منهم شخصيات تتجاوز حدودها الوظيفية، وتوقعات الناس عنها، وترى ما لا يراه غيرها من أصحاب المسئولية، وأصحاب الشأن في دوائرهم الوظيفية..
خبر اختيار مجلة التايم الأمريكية للأستاذة نورة الفايز بين أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم، كان خبرا سعيدا لنا نحن السعوديين، وقد احتفت الصحف والمجالس بهذا الترشيح..
وشعرنا بفخر أن تدخل الأخت نورة هذا الدائرة العالمية، وتصبح ممن أثروا في الحياة العامة.. ويحق للصحف ان تضع الترتيب الذي تراه، وأن تعلن أن الدكتورة الفايز قد سبقت ساركوزي وأوباما، وغيرهما من الشخصيات السياسية في العالم.. ويحق للصحف أن تكتب ما تريد في هذه المناسبة، ويحق لكل الكتاب في الصحافة ووسائل ألإعلام أن تقول وتكتب ما تشاء في هذا الموضوع.. ولكن..
ولكن في ظني المتواضع أنه لا يحق لنورة الفايز أن تعلن في تصريحاتها الصحافية الإثنين الماضي في تعليقها على تفوقها على الرئيس باراك اوباما (أنني أثرت في العالم أكثر منه).. وتقصد أنها أثرت في العالم أكثر مما أثر فيه باراك اوباما!!! وهذا في ظني غير مألوف أن يبادر شخص إلى قول مثل هذا التعبير، ولربما تخونه العبارات في مثل هذه المواقف عندما تكون ردة فعل سريعة ومباشرة، ولكن هذه التصريحات جاءت بعد عدة أسابيع من نتائج نشر هذا التقرير في مجلة تايم، ولهذا تكون الأمور قد هدأت، وأصبحنا في حالة من الواقعية والمعايشة الموضوعية لمثل هذه الموضوعات ..
إن قول نائبة وزير التربية والتعليم إنها أثرت في العالم أكثر مما أثر فيه باراك أوباما، هي مقولة غير دقيقة وتجافي المنطق، وسلامة التفكير الموضوعي.. لاسيما أن الدكتورة الفايز لها فقط ثلاثة أشهر في عملها عندما دخلت في ترشيحات المائة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم.. ولا يمكن أن يصدق عقل أو منطق أن فترة ثلاثة أشهر كافية للتأثير في معلمات مدرسة ثانوية، أو طالبات مرحلة ابتدائية، فما بالكم بالتأثير على العالم؟!..
ما نريده من الأخت نورة الفايز هو أن تكون متواضعة في تصريحاتها، وينبغى أن تكون واقعية في تحليلاتها وخاصة الإعلامية، التي تنشر في كل مكان.. وبالمناسبة، فهناك اجابات مثالية للرد على أسئلة الصحافيين أو حتى في المجالس الرسمية، غير ما ذكرته الدكتورة نورة في إجاباتها على الصحافيات اللائي نشرنها في صحفهن، وبثت في كل مكان.. ويسعدني كمتخصص في الإعلام أن أهدي بعض الإجابات النموذجية على مثل هذه الاستفسارات الإعلامية:
- كان ترشيحي هو إشادة رمزية بالدور الذي تحتله المرأة في سلم اهتمامات القيادة السياسية في بلادنا.. وكنت شخصيا نقطة اهتمام الصحافة الدولية - في مثل هذه الترشيحات - نتيجة الدور المتنامي للمرأة السعودية في الأجهزة التنفيذية في الدولة.. وهذا ما أكدته ليز تشيني (ابنة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني)، عندما قدمت فيها شخصية نورة الفائز في مجلة تايم، فقد رأت أن دورها وعمرها قصير في العمل الذي تحتله الآن، ولكن هذه بداية توجه في المملكة العربية السعودية نحو إشراك أكبر للمرأة في المناصب العامة..
- بالنسبة لتاثير الرئيس الأمريكي اوباما او ساركوزي، فلا شك أن لهما تأثيرا كبيرا على السياسة الدولية وعلى منطقة الشرق الأوسط، ويصعب مقارنة طبيعة عملي بالأعمال والاهتمامات التي يقدمونها لبلدانهم أو للعالم.. وحسب علمي، فإن مجلة تايم لا تقوم بترتيب هذه الشخصيات حسب درجة تأثيرها، ولكنها فقط تضعهم من ضمن أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم، ولهذا فلا نستطيع أن نقول إن شخصا ما هو أكثر تأثيراً من شخص آخر في هذه القائمة..
- لا شك أن مفهوم التأثير مختلف بين دولة ودولة، وبين مجتمع ومجتمع، والتأثير في بلادنا هوعلى عقول الناس وتفكيرهم، وآمل من خلال جهود وزارة التربية والتعليم أن نحقق هدف التأثير على عقول وسلوكيات أبنائنا وبناتنا بما يخدم أهداف مجتمعنا، ويحقق مصالحنا الوطنية..
وختاما، أؤكد حماسي الشديد لوضع الأستاذة نورة الفائز في هذا المنصب الرفيع، ولكن كنت أتمنى أن تكون ردة فعلها تجاه أسئلة الصحافة بطريقة مختلفة عما فعلته معهم، وأظهرت ربما عدم توفيق في التعامل مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، تجاه هذا الموضوع أو غيره من الموضوعات الأخرى التي تفاعلت معها إعلاميا خلال الفترة الماضية.
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود alkarni@ksu.edu.sa