جهود كبيرة وأموال كثيرة تضيع هباء على الفضائيات العربية والسبب يعود إلى عدم التزام معظم الفضائيات بما تعلنه مسبقاً من مواعيد لعرض برامجها، هذه الظاهرة التي تكاد أن تكون امتيازاً عربياً دون منافس من أحد، يحار المراقب الإعلامي في فهم وتفسير دوافع هذا الأمر خصوصاً أن حساب الثواني وليس الدقائق أصبح أمراً فارقاً يحدد مدى جدية هذه الفضائيات من عدمه في احترام المشاهد ويحدد أيضاً وهو الأهم مدى رغبة المشاهد العربي في استمرار المشاهدة لهذه المحطة أو تلك في ظل هذا التذبذب في مواعيد عرض هذه الفضائيات لبرامجها.
وفي ظل ازدحام الفضاء العربي اليوم بمئات من الفضائيات لم يعد لدى المشاهد العربي الجلد والصبر لكي يظل أسيراً لمزاجية وفوضى هذه المحطات في عرض هذا البرنامج في أوقات مختلفة دون الالتزام بالوقت المحدد لعرض هذا البرنامج، والمثير في الأمر أن المراقب الذي يتاح له الاطلاع على مواعيد عرض برامج الفضائيات العربية على مواقعها الإلكترونية قد يصاب بالدهشة والغرابة للطرق التي تلجأ إليها هذه الفضائيات في الإعلان عن مواعيد عرض برامجها بمواعيد دقيقة جداً بحيث تحسب الثواني قبل الدقائق وهو أمر مشكوك فيه تكذبه الوقائع المعلنة، وذلك بقصد الإيماء للمشاهد بأن هذه الفضائية تحترم مواعيد بث برامجها إلى درجة حساب دقائق قليلة.
هذه الممارسة غير الحضارية في عدم احترام وقت المشاهد أدى بالكثير من المشاهدين في النهاية إلى إهمال هذه الفضائيات والانصراف عن متابعتها والنتيجة في الأخير انصراف المعلن عن الإعلان في هذه الفضائيات لانصراف الجمهور عن مشاهدتها وهو ما يؤدي لاحقاً إلى حدوث خسائر محققة يتبعها في الغالب إعلان إفلاس هذه المحطات ومن ثم توقفها عن العمل بشكل نهائي، وهكذا نرى عزيزي القارئ أن عدم الاهتمام بأبسط الأمور قد يؤثر بشكل أو بآخر في تقدم وسيلة وإخفاق أخرى وفي استمرارية وسيلة وتوقف أخرى.. إزاء هذا الواقع الغريب يبرز سؤال مهم: لماذا تضع الفضائيات نفسها في هذا المأزق؟ وكان بإمكانها تلافيه وتجاوزه بحسم التخطيط والتنظيم، وإذا تجاوزنا موضوع المواعيد نجد أنفسنا أمام إشكالية أخرى ذات صلة بالموضوع وأعني بها قيام بعض الفضائيات بإلغاء عرض برنامج أو تقديم أو تأخير عرض برنامج دون أن تكلف الفضائية نفسها عناء إحاطة مشاهديها بهذه التغييرات دون إبداء المبررات أو تقديم اعتذار كنوع من احترام مشاهديها.
قديماً كانت إذاعة لندن الناطقة باللغة العربية تحظى بشهرة عريضة لدى المستمعين العرب ويضرب بها المثل في احترام المواعيد ويصل حد الإعجاب لدرجة قول بعضهم لبعض تستطيع أن تضبط ساعتك على مواعيد نشرات أخبار إذاعة لندن لدقتها الشديدة، ترى ما الذي يمنع الفضائيات العربية من تحقيق السمعة ذاتها؟
ولكي تستمر العلاقة إيجابياً بين الوسيلة الإعلامية وبين المتلقي لابد من توفر مجموعة شروط أهمها الصدق والاحترام والشفافية، وقبل ذلك لتتذكر هذه الفضائيات أن احترام وقت المشاهد ينطوي على معاني حضارية سامية يجب أن يتم تكريسها والمحافظة عليها بقوة.
malmadi777@yahoo.com