كنا وما زلنا نجزم بأنّ الم-صارف السعودية تتمتع بملاءة مالية عالية، ومحافظ ائتمانية نظيفة، وقدرة فائقة على تجاوز الأزمات، خاصة وأنها تستمد الدعم الكامل من قمة الهرم السياسي، وبالتالي دعم مؤسسة النقد العربي السعودي التي لم ولن تتوانى في تقديم العون والمساعدة لأي منها.
خرج القطاع المصرفي من الأزمة الاقتصادية العالمية سليماً معافى إلاّ من بعض التداعيات المقبولة في مثل هذه الأزمات. دفعت بعض المصارف فاتورة الأزمة من أرباحها واحتياطياتها ما ساعد على تجاوزها بسلام. يُفترض أن تعكس القوائم المالية للعام 2008 والربع الأول من 2009 الصورة الحقيقية لوضع المصارف السعودية، وبذلك لا يبدو أن هناك مشاكل يمكن أن تثير هلع المستثمرين أو تحفظ المراقبين. هناك شائعات، وحقائق، وتقييمات دولية لبعض المصارف السعودية يمكن أن تؤثر سلباً في معدلات الثقة المحلية والعالمية. كبير المحللين في وكالة التصنيف الائتماني العالمية (ستاندرد اند بورز) أشار إلى أن (المصارف السعودية تتمتع بوضع مستقر بفعل الدعم الحكومي رغم تعرض بعضها لتعثر بعض من عملائها الكبار متأثرين بتداعيات الأزمة المالية العالمية). ويربط في الوقت نفسه استقرار المصارف السعودية بالدعم الحكومي، رغم تحفظه على (تعثر بعض كبار عملاء المصارف).
أكد السيد بوبل هنري بريفو في حديثه لقناة (العربية) بأنّ الدعم الذي تقدمه الحكومة السعودية للقطاع المصرفي (يمنع حصول اضطرابات قوية تؤثر على أوضاع المصارف كما في مناطق أخرى من العالم) إلاّ أنه لم يتسبعد تعرض بعض المصارف السعودية (للانكشاف على شركات وأسماء كبيرة لتعثرها عن سداد قروضها). مثل هذه التقارير والأخبار السلبية تؤثر سلباً في القطاع المصرفي، وسوق الأسهم السعودية. الأيام الماضية كشفت عن بيوع ضخمه نفذت على سهم أحد المصارف السعودية ما أدى إلى إغلاقه على النسبة الدنيا، وهو أمر لا يمكن أن يدعم ثقة المستثمرين في السوق والقطاع المصرفي!.
التعثر، وصعوبة السداد أمر مسلم به في القطاعات المصرفية، والمخاطرة هي ما تقوم عليه فلسفة الائتمان، ولا يمكن للقطاعات المصرفية أن تحقق الأرباح دون تكبد الخسائر، ومنها خسائر التعثر، وشطب الديون. مثل هذه الأمور تحدث في الأوضاع الطبيعية، فكيف بالأوضاع الاستثنائية التي أخرجت كبريات المصارف العالمية مفلسة من السوق!؛ ومع ذلك لا يمكن القول بانكشاف القطاع المصرفي وإن تسببت الأزمة العالمية بتعثر بعض كبار المدينين. نسبة الإقراض المحدودة للعميل الواحد مقارنة برأس مال البنك، إضافة إلى احتياطيات الديون المشكوك في تحصيلها، والأرباح المستبقاة يمكن أن تحقق نوعاً من الحماية في مواجهة تعثر بعض كبار المدينين.
القطاع المصرفي السعودي، الذي خرج قوياً من الأزمة، بات هدفاً لبعض الجهات الخارجية. بعد أن نجح الغرب في التخلص من بعض استثماراتهم المسمومة بأسعار خيالية لمصلحة رجال المال والأعمال السعوديين، عادوا للتنقيب عن وسائل أخرى للتأثير السلبي على القطاع. نموذج الحلقات المترابطة هو الأسلوب الأمثل الذي وجد فيه البعض وسيلة هينة لتحقيق هدف التأثير السلبي على القطاع المصرفي. ضرب الحلقة الأضعف وتحميلها ما لا يحتمل يمكن أن يجر الحلقات الأخرى إلى حافة الهاوية!. لذا أشرنا مع بدء الأزمة الاقتصادية إلى أهمية تشكيل فريق عمل من وزارة المالية، الاقتصاد، التجارة، مؤسسة النقد، وهيئة السوق المالية، لإدارة الأزمة وتحديد تداعياتها على القطاعات الاقتصادية المختلفة. انشغلت مؤسسة النقد بحماية البنوك والتأكد من سلامة استثماراتها وقروضها، وتوفير السيولة اللازمة لها، في الوقت الذي استبعدت من حساباتها الحلقات الأخرى ذات العلاقة برجال المال والأعمال والشركات الخاصة.
كل التقارير الدولية الأخيرة اعتمدت في تقييمها المصارف السعودية على (الحلقات الضعيفة) التي يبدو أنها ستكون الأكثر تأثيراً على القطاع المصرفي ما لم يتم التعامل معها بحكمة.
أعتقد أن الأوضاع الحالية لا تقل في الأهمية عن الأوضاع الحرجة التي أعقبت ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية، وهي في حاجة إلى التعامل الحذق من خلال حصر الأضرار الداخلية وطرح الحلول الناجعة لها. حماية القطاع المصرفي لا يمكن أن يتم دون الوقوف بحزم أمام سيل الأخبار الصحفية والتقارير المتخصصة التي باتت تؤثر في معدلات الثقة بقطاع المصارف والسوق السعودية. تسابق وسائل الإعلام في نشر وتضخيم بعض قضايا الائتمان أدى بصورة مباشرة إلى التأثير السلبي على حجم الثقة في القطاع المصرفي، وسوق الأسهم السعودية. هناك فارق كبير بين حرية النشر، والسبق الصحفي وبين الإضرار بالمصالح الوطنية والتشهير. مثل هذه الأمور تحتاج إلى القيادة والتوجيه، وتحتاج أيضا إلى تشريعات خاصة تحكم التعامل مع القضايا المنظورة والتي يمكن أن تؤثر سلباً في الاقتصاد الوطني.
أما وقد (سبق السيف العذل) فلا مناص من حصر الأضرار، وتحديد المشكلة الحقيقية، ومواجهة المساهمين والمستثمرين بكل شفافية ووضوح من خلال تدخل مؤسسة النقد العربي السعودي والمصارف السعودية في دحض التهم الموجهة لها من وكالات التقييم الدولية، والشائعات التي باتت تضرب في كل اتجاه. الإعلان الرسمي عن حجم التعثر، ومدى انكشاف المصارف، من عدمه، ووسائل الإنقاذ المقترحة والمتاحة، وتبرئة من أصابتهم شظايا الشائعات أمور تستدعي سرعة الإنجاز من الجهات الرسمية والمصارف السعودية حماية للقطاع، سوق الأسهم، وسمعة الاقتصاد الوطني.
****