يبدو أن الأوبئة نتاج الكثرة، والكثرة خلط، وكل كثير هو حصيلة متراكم ومتداخل، وهذا الزمن كثر فيه كل شيء، والإنسان يلهيه التكاثر حتى يزور المقابر..
في ظني، هناك خيط رهيف يربط بين حدود ونوعيات وأشكال التكاثر والتداخل، بحيث تأتي محصلاتها سالبة في حياة الإنسان بما فيها الأوبئة فهي نتاج التكاثر، ولعل الباحثين المنكبين على مساطر التقنين، والقياس، والموغلين في التركيب والتحليل, والتجزيء والدمج والفصل، وتعيين المصادر، والوقوف على الجذور، فيما يطرأ في حياة الحياة من حول الإنسان وفيما يعتريه من أمراض وظواهرلن يختلفوا معي في شأن التكاثر ومحصلاته، بحيث لا تقف عند حدود الأوبئة البيئية بل الصحية المتعلقة بجسد الإنسان، كذلك تلك التي تمتد للنفوس وأمراضها، والعقول وأوبئتها، فكل وباء هو محصلة، والمحصلات نتاج، والنتاج توالد، والتوالد تكاثر, والتكاثرعن تكاثر، عن دمج، والدمج عن أجزاء والأجزاء توالدت عن كثرة، فهذا زمن الكثرة، فإذن هو زمن الأوبئة.
كل من تزداد حصيلته يصاب بوباء، حتى العظمة وباء، والغرور وباء، والمرض وباء، والعدوى وباء، والموروثات السالبة وباء،.. فالأماكن المزدحمة تكثر فيها الأوبئة، كما أن المعدة التي يكثر فيها الطعام ويضاف طعام فيها إلى طعام تصاب بأوبئة، كما أن المستنقعات التي تكثر فيها المياه الراكدة تصدِّر الأوبئة، والصدور التي تكثر فيها الأثرة تكون رافدا لأوبئة السلوك، والضجيج وباء، والجراد وباء، والأسماك الميتة يلفظها البحر وباء، وإنفلونزا الخنازير وباء، ألم نصل مع الباحثين إلى الحقائق بأن الداء وباءً ومنه كثرة الطعام مفسدة للأجسام؟.. أوليست الذنوب أوبئة نفوس وسلوك و(كثرتها) مهلكة..؟.. أوليست الأماكن المزدحمة مختنقة بأوبئة الهواء غير النقي..؟ أو ليست علب النفايات مصادر أوبئة وهي تكتظ ببقايا الإنسان.., أو ليست عقول المضطربين مصابة بلوثة كثرة تداخل الأفكار؟ والمذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء في مواقفهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم نتاج كثرة ما يتعرضون له من روافد هشةٌ أمامها جذورُهم؟..
ولأنه زمن الكثرة، فإنه زمن الأوبئة حتى يزور الإنسان المقبرة.