خرج الشيخ المعروف في مجتمعه المحلي ومن خلال عمله رئيساً للمحاكم الشرعية في منطقته بحزمه وحنكته وذكائه، خرج من المسجد الذي يؤم فيه الناس منذ سنوات عديدة بعد أن صلى بهم صلاة العصر وإذ بحذائه الذي وضعه قرب الباب الداخلي ليس في مكانه الذي اعتاد وضعه فيه. وقف هذا الشيخ الوقور عند باب المسجد الخارجي وحوله عدد من المصلين الذين أظهروا اهتماماً بالغاً بالموضوع، وصاروا يفتشون معه عن الحذاء، وفي الخارج أطفال صغار يلعبون ويتحدثون مع بعضهم البعض. أخرج هذا الإمام مبلغاً مجزياً من المال، ورفعه أمام الجميع وهو يوجه كلامه للصغار قائلاً: (من يأتي بحذائي الذي أُخذ من هنا أو يبلغ عنه أين هو، ومن أخذه، فله كل هذا المبلغ الذي يفوق سعر الحذاء عشر مرات تقريباً. وما أن انتهى من هذا العرض المغري حتى نطق أحد الصغار بالحقيقة التي كان يبحث عنها الشيخ أكثر من الحذاء)، لقد سرقها فلان - وأشار بيده إلى صغير بجواره - وأدخلها منزلهم هذا - الواقع بجوار المسجد تماماً - سلم الإمام المبلغ الطفل المبلغ والناس ينظرون، وطلب من المتهم بأخذ الحذاء أن يحضره وله مبلغ من المال أيضاً، وبالفعل سرعان ما أخرجها من مدخل بابهم ليضعها أمام قدمي الإمام ويستلم المكافأة فوراً، وبمراء من الجميع ومن بينهم والده الذي أسقط بيده وعاش لحظة حرجة أمام الجيران. بعد هذا المشهد التربوي واسع الدلالة عميق المعنى، التفت الشيخ إلى الوالد قائلاً له: (شف عاد لا أشوفك تصلي معنا لا أنت ولا أولادك حتى تربيهم على حقوق المسلمين وتعلمهم حرمة المسجد وخطورة مثل هذا الفعل المشين الذي لا يليق أبداً، ولا منزع فيه لعذر). أدرك الجار الرسالة الصريحة وطأطأ رأسه وسار وسط الجميع وهو في وضع لا يُحسد عليه، ومن كان منه إلا أن اعتزل جماعته ومسجده سنوات. كان هذا الحدث درساً للجميع حفظه ووعاه الكبار قبل الصغار. ومع أن هذه الحادثة مرَّ عليها سنوات إلا أنها لم تغب عن بالي منذ أن رواه لي زميل عزيز وهو شاهد أعيان على ما حدث وحتى هذه اللحظة. واليوم تطور الأمر من سرقة الأحذية إلى الكمبيوترات، ومن الأبواب الداخلية إلى مكان السجود ومن أمام المصلي وهو يصلي، وللأسف الشديد، والطامة الكبرى أن المسروق مسلم صيني جديد بل مسلمون جدد - كما يقول الخبر - وممن من أبناء لنا أعمارهم تقارب العشرين عاماً!! إن هذه الحادثة توقفنا على حقيقة مرة ذات صلة مباشرة بضعف التكوين الأخلاقي لدى بعض شبابنا وللأسف الشديد، وتوجب علينا دراسة المجتمع السعودي من خلال المدخل القيمي لدراسة المجتمعات، كيف لا والسلوك هو جزء أساس من بناء الدين الإسلامي بل من أجله بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وهو القاعدة الذهبية التي تقوم عليها الحضارات. لقد تساءلت في نفسي حين قراءة الخبر، ترى ما هو شعور هؤلاء المسلمين الجدد وهم يسرقون في بيت من بيوت الله ومن قبل أبناء المسلمين الذين يعرفون حرمة المسجد وحقوق المصلين؟! ترى بماذا سنعتذر لهم أمام الله أولاً ثم أمام العالم الذي يعرف كما نحن نحتفى بالمسلم الجديد وكم هي مهمة مساجدنا وأماكن عباداتنا، بها نصلي وفيها نلتقي ومن خلالها نتعارف على بعضنا البعض أخوة متحابين، ونتعرف على كثير من أحكام الدين. الأصل في المسلم أينما كان زماناً ومكاناً أن يشعر ويستشعر الأمن والسلام والطمأنينة في بيوت الله فهي مخصصة أصلاً لتقوية أواصر التواصل مع الله، ولذا لا تُنشد فيها الضالة، ولا يرتفع فيها الصوت، و(من قال لصاحبه يوم الجمعة والخطيب يخطب: أنصت فقد لغى)، وزاد بعضهم: (ومن لغى فلا جمعة له)، وفي الصحيح: (من مس الحصى فقد لغى)، نعم لها أحكام خاصة مبثوثة في كتب الفقه ويعرفها الكثير من المسلمين ولكن المشكلة أننا ننساها أو نتناساها حين التطبيق، من المؤسف حقاً أن الأمر لا يقف عند هذا الحد في بلاد المسلمين الكثيرة إذ نسمع عن تفجير بالمساجد وقتل للمصلين، من المؤسف أن نقرأ عن تحزبات وتجمعات ضالة عن جادة الحق تتخذ بيوت الله لها أماكن تجمع ولقاء، ومن المؤسف أن هناك من الجيران من لا يعرف طريق المسجد. عموماً المساجد بيوت الله والمصلي حين يقف بين يدي الله حقه علينا كبير وشعوره بالطمأنينة والأمان هو الأصل، وكل ما سبق رسائل سلبية نبعثها للعالم جميعاً والنتائج -وللأسف الشديد- تضر بمسار الدعوة الصحيحة التي هي واجب في عنق المسلم أينما كان.. وإلى لقاء والسلام.