الحديث عن الهيئات يشكل في نظري متعة للكاتب المبتدئ أكثر من استمتاع القارئ؛ ذلك أن بعض الكُتّاب لا يجد نفسه إلا بقدر تفاعل القراء وتجاوبهم معه مدحاً أو ذماً. وليست الإشكالية في رجال الهيئات على الإطلاق.
بل في بعض جمهور الهيئات الذين يتابعون وقائعهم مع المجتمع المؤتلف والمختلف معهم، فهم أشبه ببعض جمهور الرياضة في المدرجات الذين يستمتعون بحركات وأهازيج من حولهم وأنواع الإثارة لديهم أكثر من استمتاعهم ومعايشتهم الفن ذاته. هو جمهور يقوم للعواطف ويقعد لها في لحظة من اللحظات، بعيداً عن اللاعب الأساس. وبطبيعة الحال لن تتغير الصورة عن كلتا الفئتين إلا إذا خلع هذا المجتمع أثواب التعصب الممقوت، وتخلّص من التقديس المذموم للذوات، وتعامل مع الآخرين، ومع ذاته، ومع قيمه، بكل تجرد وحيادية، وصدق وإخلاص. متى تحقق ذلك كنا أكثر سمواً ونبلاً، وأرقى في التفكير والتعامل.
* لن يكون الحديث في هذه الوقفة ذا وحدة موضوعية واحدة، بل سأتناول أكثر من قضية تحت مظلة ما يحمل شعار (سفينة النجاة)، وباسم المجري والمرسي لها أبدأ بقضية (الاختلاء)، تلك القضية لم تصل لحد الظاهرة في مجتمعنا، ولن تصل بإذن الله، لكن كثُرت حوادث وأحاديث الاختلاء غير الشرعي، وتأزم رجال الهيئات - أعانهم الله - وأزموا المجتمع معهم، وهم يشاهدون هذا الجنوح غير الأخلاقي والمنبوذ في وسط المجتمع المحافظ. وأعتقد أن من يباشر هذه القضايا تأخذهم الحيرة بالفعل. هل من المناسب الإعلان والتشهير بمثل هذه القضايا؟ أم الستر والكتمان ودفن المشاكل؟ وعلى نحوٍ من هذه القضية، قضية (الابتزاز).
في بعض الحوادث والوقائع التي تساق وتنقل - إن صدقاً وإن كذباً - شيء من الطرافة والغرابة، وأجزم بأن من يتصدى لها يصيبه شيء من التردد، وكيفية اتخاذ القرار حيالها. قد يخطئ من حيث لا يقصد، وقد لا يحالفه الحظ في الاجتهاد، والعصمة لله ولرسوله.
من طرائف الأخبار (ضبط ستيني مختلٍ بامرأة خمسينية). كلاهما مأمون الفتنة، وكلاهما تعطّلت لديهم وسائل التواصل والاتصال. ماذا يريد هو؟ وماذا تريد؟ أليس هناك ما يسمى برفع الحرج عن بعض الفئات؟ في تلك المواقف أي اجتهاد في المعالجة يجب تقديره واحترامه.
موقف آخر: إحدى فصائل الحيوانات في إحدى الحدائق والمنتزهات العامة مارست حركات غير أخلاقية أمام الجمهور. هنا لا بدّ من تدخل السلطة وتأديب السايس المتواطئ. وأي اجتهاد في ذلك يجب تقديره واحترامه كذلك؟
موقف ثالث: حدث قبيل سنوات، أثناء مداهمة أحد المروجين، فوجئ المداهمون بانقضاض كلب الحراسة، فما كان منهم إلا أن أردوه قتيلا، بعد فرار الجاني، وتحوّل مقتل الكلب إلى قضية، وإجراءات، وربما محاكمات واتهامات. هذا غيض من فيض جهودهم، وقد تكون هذه الحوادث - على طرافتها - أقلها تعقيدا إذا قورنت بغيرها، والشاهد من ذلك كله امتداد عملهم النبيل إلى شرائح مختلفة.
أمام هذا التنوع في المهام وتعقيداتها وجسامتها وحساسيتها نسوق هذه الشواهد أمام ما يطرح في هذه الأيام في المنتديات والمجالس (تأنيث جهاز الهيئات)، أو ما يسمى (بالشرط النسائية).
إذن قبل أن تقتحم المرأة الميدان يجب أن تتهيأ لمثل تلك الوقائع التي أسلفت، حتى لا نفجع ونفاجئ هذا الجنس اللطيف، أو نعمد إلى إسقاطه من أول درجات السلم في هذا الميدان الشريف، ولا يتحقق لنا تعزيز دورهن في توجيه المجتمع وإرشاده، وحمايته وصيانته من جهة أخرى . أ - هـ
dr_alawees@hotmail.com