استغرب المتابعون لما يحدث في إيران من شراسة الأجهزة الأمنية وقوى القمع، سواء التي يديرها الحرس الثوري أو القوات التابعة لوزارة الداخلية؛ فقد أظهرت التشكيلات المخابراتية والأمنية قدرةً على تنويع أعمالها ونجاحاً في تحقيق الأهداف التي وضعها النظام، وأظهرت عملية إجراء الانتخابات أن التزوير الذي تم كان من المهارة والدقة اللتين حققتا نتائج متفوقة في مراكز انتخابية لصالح مرشح النظام في مناطق تعد مراكز قوة للمرشحين الآخرين، ومناطق عرقية وسكانية للمرشحين، ومناطق يمقت أهلها مرشح النظام الذي شن كثيراً من الأعمال الانتقامية والعقابية ضد أهل تلك المناطق؛ فكيف ينتخب أهلها رئيس ذلك النظام الذي كثيراً ما شتمهم وهدَّدهم في خطبه عند زياراته لتلك المناطق؟!
كما لاحظ المتابعون أنه خلال تفاقم الصراع بين الأقطاب داخل نظام الملالي الحاكم في إيران وقعت عمليات قتل انتقائية لبعض المتظاهرين كالفتاة الإيرانية دنا آغا التي قُتلت برصاصة قناص محترف، كما تعرضت بعض المؤسسات الحكومية الخدمية للنهب والحرق، ومنها الحافلات التي استعملها الطلاب، والهدف هو صنع تذمر ونقمة من الشعب ضد المتظاهرين، وكلها أفعال لا يجيد تنفيذها، مثل تزوير الانتخابات، إلا أجهزة وأفراد محترفون من المخابرات الضالعين وأصحاب الخبرات المتفوقة في هذا المجال.
أيضاً لاحظ المهتمون بالشأن الإيراني أن الحضور الإيراني المخابراتي خارج إيران لم يضعف بعد سقوط نظام الشاه بل على العكس توسع العمل الاستخباراتي الإيراني واتسع نطاق التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول، وبخاصة الدول المجاورة كدول الخليج العربية والعراق وتركيا وأفغانستان، وزاد عليها دول آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بل توسع العمل المخابراتي الإيراني ليشمل كل الدول العربية والإفريقية التي لم يكن الشاه يهتم بها، وزادت قوة الحضور الإيراني الاستخباراتي في دول أوروبا بشقيها الغربي والشرقي، بل أضيف للعمل الاستخباراتي الإيراني فروع جديدة وأقسام خاصة بتنفيذ عمليات الاغتيال والأعمال الإرهابية، ورُبطت عناصر ومكاتب المخابرات بالتنظيمات شبه العسكرية المكلفة بتصدير (الثورة الخمينية) عن طريق نشر التشيّع الصفوي كفيالق القدس والحرس الثوري والأحزاب الشيعية المرتبطة بنظام ملالي طهران كحزب الله اللبناني ومجلس الثورة العراقي وغيرهما من الأحزاب الطائفية.
هذا التطور الذي يعدُّ تفوقاً في العمل الاستخباراتي الإيراني أثار انتباه المختصين بهذا الشأن من العمل؛ فوجد خبراء الاستخبارات أن الفضل يعود في ذلك إلى تعليمات الخميني في الأيام الأولى لاستيلاء أنصاره على الحكم في إيران؛ فقد وجه بأوامر حازمة بألا يجري التعرض لجهاز (أطلاعات) - ترجمته: المخابرات -، وأن يعمل على استيعاب وإغراء جميع العملاء الذين كانوا يتعاملون مع نظام الشاه للبقاء والعمل مع النظام الجديد.
وقد نجحت جهود الخميني وحكوماته المتعاقبة في استقطاب معظم العملاء المرتبطين بأجهزة المخابرات الإيرانية في الداخل والخارج، وهذا مما جعل المخابرات الإيرانية تحتفظ بعناصرها الخبيرة ثم تدعم تلك الخبرة بالعناصر الجديدة التي تدمج بين المخابرات والأيديولوجية التي يتدرب عليها عنصر المخابرات؛ ليصبح أكثر ولاءً وأكثر دقةً في تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر.
jaser@al-jazirah.com.sa