Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/07/2009 G Issue 13433
الخميس 16 رجب 1430   العدد  13433
الحبر الاخضر
كر وأنت حر
أ. د. عثمان بن صالح العامر

 

الحوار في نهاية المطاف كرّ وفرّ، ولكن لا قتال فيه ولا دم، وليس فيه خاسر ورابح، بل الجميع يستحقون درجة الامتياز لأنهم كانوا في الأساس وعلى وجه العموم يبحثون عن الحق أينما كان، وكل منهم جاء وقد وقع وبصم بجميع قواه العقلية والبدنية والنفسية على اتفاق أدبي ضمني، يوجب عليه الرضوخ للحق متى ما انبلج صبحه وبانت محجته، جاء وفي نفسه قناعة تامة أنّ ما عنده حق يحتمل الباطل وأنّ ما عند غيره باطل يحتمل الحق، والشرط الأهم والركيزة الأساس في الحوار أياً كان، وفي أي زمن وقع اشتراط عنترة العبسي على أبيه حين طلب منه المشاركة في المنازلة والقتال (الحرية)، ومع أنّ الميدان يختلف وليس فيه بطل في الحقيقة، إلاّ أنّ كل عمل إرادي يعود القرار فيه لذات الإنسان يحتاج أول ما يحتاج إلى مساحة من الحرية التي تتنافى مع الإكراه بأي صورة كان هذا الإكراه أو القصر، ومتى وجدت الحرية الحقيقية فهي في الغالب تبعث مكنونات الذات وتقوى عزيمة المحاور وتدفعه للبحث عن الحجة التي يتكئ عليها وتنمي قدراته الحوارية وتعزز مهاراته الذاتية، والحرية قبل أن تكون قراراً سياسياً هي سلوك حياتي معاش تلعب فيها التربية دوراً محورياً وعاملاً مفصلياً، والسابر لغور الواقع التربوي في عالمنا العربي عامة والمحلي على وجه الخصوص يلحظ وللأسف الشديد كماً هائلاً من السلوكيات التربوية التي تُقمع بها الحريات منذ نعومة الأظفار وحتى الممات، سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع أو المسجد أو...!!، نعم من الواجب احترام المتحدث والاستماع لقوله وعدم مسابقته في الكلام أو مقاطعته حين حديثه، أو تكذيبه في روايته بمجمع من الناس، أو الجرح في سنده ومتنه أو ... خاصة إذا كان كبيراً في السن أو القدر أو العلم، وعلى وجه الخصوص إذا كان أحد الوالدين.. فهذا كما هو معلوم من باب الإحسان والتوقير الذي أمر به الدين، ولكن في المقابل على الآباء إعطاء الثقة لأبنائهم في الحديث، ومنحهم الفرصة الكاملة لتنمية مهارات القول لديهم، وذلك بحسن الاستماع لهم وعدم الضحك على كلاماتهم وتجريحهم أو تقريعهم أمام الغير على ما يقولون، فهم ما زالوا غالباً في مرحلة التدريب والبناء، الواجب علينا أن نربيهم منذ الصغر على جودة السّبك وحسن الاختيار للمفردات، والقدرة على التعبير عمّا نفوسهم بكل أدب واحترام، وحجر الزاوية في كل هذا - كما سبق - (الحرية)، إنّ من الملاحظ وللأسف الشديد، ضعف المنطق وغياب الحجة وفقد البرهان والرهبة من المواجهة والحوار لدى غالبية الشباب في مجتمعاتنا المحلية، ولعل من أهم أسباب هذه الظاهرة عدم أعطاء أبنائنا الحرية الكافية والفرصة السانحة للتحدث مع الغير، سواء أكان هذا التجني منا نحن الآباء أو من المعلمين أو الجيران أو الأصدقاء أو غيرهم من ممثلي مؤسسات التنشئة الاجتماعية في بلادنا المعطاء، فلا يكن ابنك أو تلميذك أسيرك ومملوكك تتحدث وهو يستمع وتطلب وهو ينفذ بلا روية وتفكير، بل استمع إليه جيداً وهو يتحدث حتى ولو كانت لغته مكسرة وعباراته ضعيفة، درِّبه وربِّه حتى يستقيم لسانه وتصقل عباراته ويظهر بطولة في البيان، قل له بلسان الحال أو المقال (تكلم وأنت حر) كما قال شداد لعنترة ابنه (كر وأنت حر)، ولو كان منا ذلك لما وصلنا إلى مرحلة الحاجة الماسة لوجود مركز للحوار، ومدربين لتنمية الحوار، وكراسي علمية لبناء الشخصية الحوارية من جديد، لا بد أن نعترف أنّ من المأخذ علينا الحدية في العبارة والأُحادية في الرأي، والصراخ في وجه المخالف حتى ولو كان طفلاً، يؤخذ على مجتمعاتنا العربية قفل النوافذ والأبواب في وجه الآخر بل في وجوه بعضنا البعض، يؤخذ علينا أننا لا نجيد فن الاستماع وكل منا يحب أن يتحدث أكثر مما يسمع، وكأنه يقول الحق عندي ولا أحد سواي، وما أراه حق وما يراه غيري باطل، ولذا لا بد أن يستمع الكل لما أقوله!!، كنا وما زلنا نربط الحق بالكبير سناً وربما منزلة وقدراً أو مالاً أو ... (وأكبر منك بيوم أعلم منك بسنة!!)، ولكن أعتقد أنه حان الوقت لنبدأ رحلة الألف ميل والتي دشّنها وباركها وأعلن عنها ودعمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وصاغها إستراتيجية وطنية رائعة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، فالشكر من القلب لكل من استشعر أهمية الحوار ووضع لبنة من أجل مجتمع حواري حر .. وإلى لقاء .. والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد