أحياناً يجد المراقب المحايد والمتابع للتحولات التي تطرأ على مواقف بعض المثقفين العرب صعوبة في فهم تلك التحولات العجيبة، والتي تصل إلى حد التفكر لما كانوا عليه، أو يؤمنون به، وأفنوا جزءاً كبيراً من حياتهم للدفاع عنه.
وسأضربُ مثالاً واحداً بالكاتب المصري المعروف (فهمي هويدي) الذي طالما تابعنا كتاباته ولقاءاته منذ أمد طويل عبر وسائل الإعلام المختلفة، واستطعنا أن نكوّن فكرة معينة عن مساره الفكري بحيث رأينا فيه كاتباً إسلامياً يستشعر هموم الأمة وآلامها بحيادية لا تخضع لأغواء السياسة ورهاناتها. غير أن الكتابات واللقاءات الأخيرة أظهرت لنا وجهاً آخر لا يمت بصلة قرابة إلى الشخص الذي عرفناه وقرأنا له من قبل. فالأحداث الأخيرة على الساحة العربية في لبنان والعراق وفلسطين وكذلك في الانتخابات الإيرانية كشفت لنا أنموذجاً لحالة (التوهان والضياع) التي تلتبس فكر أي مثقف في لحظة ما.. خصوصاً حين ينصاع لأقنية الضعف البشري المصلحي على حساب القيم والمبادئ.
لن أبحر كثيراً في هذا السياق غير أنني سأستشهد بموقفه من الانتخابات الإيرانية الأخيرة؛ والتي أنكر فيها البتة حدوث عمليات تزوير، وسقوط ضحايا في لقاء مع إحدى الفضائيات، وحين قاطعه المذيع مورداً صور وكالات الأنباء.. ذهب بعيداً وهو يقول:
الانتخابات العربية فيها قتلى وتزوير أفظع من ذلك: وليته سكت.. بل أضاف قائلاً: إن الدول العربية (المعتدلة) تتدخل في الانتخابات الإيرانية من خلال المال ورجال المخابرات وعليها أن تكف عن ذلك!!
ولا بأس أن أرجع قليلاً إلى الانتخابات اللبنانية التي أطل علينا وقتها (المفكر الإسلامي) لا غيره ليقول لنا.. إن حزب الله سينتصر على الرغم من الحملات ضده، وإنه بريء (أي الحزب) من (خلية مصر) ومن اغتيال (الحريري) الذي أوردته المجلة الألمانية، وإن هدف الحملة برمتها التأثير في الانتخابات اللبنانية لحساب (14) آذار التي تدعمها دول الاعتدال بالمال والدعاية!
قد يكون للسيد (هويدي) مصادره التي لا نعلمها، ولكننا بالتأكيد نعرف أن السلطات المصرية قد قبضت على أفراد الخلية المذكورة.. وأن دول الاعتدال التي يغمز من خلالها لا تتدخل في شؤون الدول ولا انتخاباتها.. بل هي كما يعرف الجميع الدول التي أخذت على عاتقها الدفاع عن مصالح الأمة، ومعالجة مشاكلها، وجمع الصف العربي في سبيل الوصول إلى وحدة عربية تقف في وجه التحديات التي تمر بها.
مؤلم حقاً، حين يحاول كاتب ما.. أن يسقط خلافاته الشخصية، وحنقه على نظام ما إلى طرح رؤى تفتقد إلى الصدق.. فأصغر مواطن عربي يعرف بالتأكيد حجم التضحيات التي قدمتها دول الاعتدال التي اتهمها (هويدي) بأنها تنفذ المخططات الأمريكية، وما موقف مصر من صراع الأشقاء في فلسطين إلا حالة وحيدة من تلك التضحيات.
لست ضد أن يراجع المثقف مواقفه وأفكاره، ولكنني ضد التلون، والحربائية، وتزييف الرأي للقارئ العربي. له أن يراجع حساباته وتوجهاته بشرط ألا يتنكر لقيمه، ولا ينتقص من حق دول بذلت ما تستطيع لإنقاذ الأمة من التشرذم والضياع.
alassery@hotmail.com