Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/07/2009 G Issue 13433
الخميس 16 رجب 1430   العدد  13433

نظرات في تصانيف نحوية مهمة 4-5
أ.د. عبدالكريم محمد الأسعد

 

4- كتب ابن مالك وشروحها وحواشي هذه الشروح

من أهم الكتب التي صنفها ابن مالك المتوفى سنة 672هـ في النحو والصرف ألفيته المسماة (الخلاصة) وهي مختصر في ألف بيت تقريبا لمنظومة سابقة له اسمها (الكافية الشافية) ربَتْ على ثلاثة آلاف بيت، ومن أهمها أيضا منظومته المعروفة باسم (لامية الأفعال)، وكلا المنظومتين وخاصة (الخلاصة) ذائع الصيت متداول بين الدارسين منذ تأليفها حتى الآن، وقد نالت (الخلاصة) خصوصًا عناية كبيرة ممن تصدوا لشرحها وللتمشية على شروحها ولا سيما ابن الناظم وابن هشام وابن عقيل والأشموني في شروحهم، والخضري والصبان وخالد الأزهري في حواشيهم على هذه الشروح، وتمتاز (الخلاصة) بأنها أوضحت جميع المباحث النحوية بإيجاز، ثم جاءت شروحها وحواشي هذه الشروح فاستوفت التفاصيل وأتت بالشواهد، أما (لامية الأفعال) فهي نظم موجز أوضح فيه ابن مالك الأفعال والمشتقات وما يتصل بهما، وقد شرحها كثيرون منهم بَحْرَق اليمني المتوفى سنة 930هـ، وصَنَعَ الرفاعي المتوفى سنة 1325هـ حاشيةً على هذا الشرح، وهما أكثر شروحها وحواشيها شهرة وتداولا.

ويعد شرح ابن الناظم أول شرح على ألفية والده (الخلاصة)، وقد أكثر شارحو الألفية بعد ابن الناظم من النقل عنه، وبسطوا ما في شرحه في شروحهم حتى أصبح لفظ (الشارح) في مصنفاتهم عَلَمًا بالغلبة على ابن الناظم، وعرف عن ابن الناظم أنه كان يتعقب والده كثيرا، وربما حمله هذا التعقب على اقتراح بيت آخر في النظم بدل بيت الناظم، إلا أن شراح الألفية بعده تصدوا للرد عليه والدفاع عن والده الناظم.

وقد ورد في شرح ابن الناظم بعض شواهد محرفة نقلها عنه من بعده دون روية أو تمحيص، من ذلك احتجاجه في باب (نعم وبئس) للكوفيين القائلين باسميتهما بقول الراجز:

صبَّحَكَ اللهُ بخير باكرِ

بنعمَ طيرٍ وشباب فاخر

وصحة الشطر الثاني (بنُعْم عينٍ وشباب فاخر) وعلى هذا لا شاهد في البيت للكوفيين.

وقد اقتفى الأشموني ثم الصبان وغيرهما من النحاة أثر ابن الناظم ولم يتنبهوا لما في شرحه من التحريف في شيء من الشواهد، فتابعوه في احتجاجه بهذا البيت وبغيره أيضا ويؤخذ على ابن الناظم كذلك استدلاله بشعر المحدثين أحيانا كقول أبي العلاء المعري:

يذيب الرعب منه كل عضب

فلولا الغمد يمسكه لسالا

ثم إن شرحه مغلق ولهذا كثرت الحواشي عليه، فقد حشَّى عليه ابن جماعة والعيني وزكريا الأنصاري وابن قاسم العبادي وجلال الدين السيوطي وغيرهم، ولابن الناظم أيضا شرح على (كافية أبيه الشافية).

5- كتب ابن هشام الأنصاري:

لابن هشام مؤلفات كثيرة في النحو منها (قطر الندى وبل الصدى) و(شذور الذهب في معرفته كلام العرب)، والكتاب الأول مقدمة في النحو على هيئة متن ألم فيها المؤلف بأبواب النحو في إيجاز وترتيب خاص ثم شرحها، والكتاب الآخر على هذا النهج أيضا فهو متن وشرح للمؤلف، والكتابان متقاربان في الموضوعات وفي طريقتهما المبتكرة في ترتيبها على نحو غير مألوف ولا مسبوق، ويسير الكتابان بالمتعلم سيرا متدرجا سهل المأخذ.

وأشهر كتب ابن هشام (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) وهو كتاب قيم له شأن عظيم في الكتب النحوية، ويمتاز بالطريقة التي اتبعها مؤلفه في ترتيب المباحث وتنظيم الموضوعات النحوية وإيضاحها، وقد وصف ابن هشام كتابه هذا في مقدمته بقوله (اعلم أني تأملت كتب الإعراب فإذا السبب الذي اقتضى طولها ثلاثة أمور أحدها كثرة التكرار.. والأمر الثاني إيراد ما لا يتعلق بالإعراب.. والثالث إعراب الواضحات).

وقد نهج ابن هشام في (مغنيه) سبيلا لم يسبق إليه وهو السبيل الذي أتاح له أن لا يدع فرعا إلا عرض له بإبداع مع عدم تكرار فأوفى في ذلك على الغاية، ونحا في إيضاح موضوعاته منحى ينم عن ابتكار، ووازن كثيرا في مسائل هذا الكتاب بين المذاهب النحوية مع الميل إلى البصريين، وأكثر خلاله من نقد النحاة وتعقبهم في أعاريب مشتهرة، وأفاض في الاحتجاج بالقرآن وبالشواهد الشعرية، قال ابن خلدون (وصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها استوى فيه أحكام الإعراب مجملة ومفصلة وتكلم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الصناعة من المتكرر وسماه بالمغني في الإعراب، وأشار إلى نكت إعراب القرآن.. فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها.. فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه).

ومما يجدر التنويه به أن ابن هشام لم يقف في المغني عند المسائل النحوية فحسب، بل تناول فيه أيضا بعض المسائل البلاغية، ويُروى أنه قيل لابن هشام (هلا فسرت القرآن أو أعربته) فقال (أغناني المغني)، وقد تبارى العلماء في شرح (المغني) منذ ظهر وعنوا بالتعليق عليه وبإعراب شواهده، فقد شرحه ابن الصائغ وسمى شرحه (تنزيه السلف عن تمويه الخلف)، وعلق عليه الدماميني بإيجاز أثناء إقامته بمصر ثم شرحه بتوسع بعد سفره إلى الهند خلال إقامته هناك وسمى شرحه (تحفة الغريب بشرح مغني اللبيب) وفي هذا الشرح اعتراضات متعددة على المغني تعقبها الشمني في حاشيته على شرح الدماميني هذا وهي الحاشية المسماة (المنصف من الكلام على مغني ابن هشام)، ولكل من الأمير والدسوقي والسيوطي حاشية على شرح الدماميني، وللأبياري تعليقات على هذه الحواشي سماها (القصر المبني على حواشي المغني).

ومن أشهر كتب ابن هشام أيضا كتاب (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) المسمى (التوضيح) وهو إيضاح لألفية ابن مالك قريب التناول بعيد عما جاء في بعض شروح الألفية كشرح ابن الناظم من اختصار أو التواء في العبارة أو غموض وخفاء في المعنى، وقد قال ابن هشام في مقدمته (إن كتاب الخلاصة الألفية في علم العربية كتاب صَغُر حجما وغَزُر علما غير أنه لإفراط الإيجاز قد كاد يعد من الألغاز وقد أسعفت طالبيه بمختصر يدانيه وتوضيح يسايره ويباريه، أحل به ألفاظه وأوضح معانيه وأحلل به تراكيبه وأنقح مبانيه وأعذب به موارده وأعقل به شوارده ولا أخلي منه مسألة من شاهد أو تمثيل، وربما أشير فيه إلى خلاف أو نقد أو تدليل، ولم آل جهدا في توضيحه وتهذيبه وربما خالفته في تفصيله وترتيبه).

وقد حشَّى على (التوضيح) خالد الأزهري حاشية سماها (التصريح على التوضيح)، وعلق على الحاشية ياسين العليمي الحمصي تعليقات حسنة طبعت مع الحاشية والشرح.

6- شرح ابن عقيل للألفية:

يمتاز شرح ابن عقيل المتوفى سنة 769هـ بالسهولة، وهو شرح يرشد المتعلمين إلى معرفة المراد من الألفية على وجه موجز، لأن عناية الشارح اتجهت إلى إيضاحها وبيان المقصود منها على نحو ميسر، وشرح ابن عقيل شرح جيد متوسط في النصف الأول ومختصر في النصف الثاني وتتجلى فيه مواءمة مصنفة للناظم واهتمامه بإبراز آرائه وانسجامه معه في كثير من المواقف، ولهذا دفع هجوم ابنه عليه كثيرا، فهو يقول مثلا في باب (المفعول المطلق) (وقول ابن المصنف.. ليس بصحيح)، ولكنه كان في الوقت نفسه يحرص على تسوير آراء النحاة الآخرين بدقة وتفصيل، خاصة حين يختلف ابن مالك معهم، وإذا خالف ابن مالك سيبويه والبصريين.. وقد كان يفعل ذلك غير قليل - فإن ابن عقيل كان يتوقف إزاء مخالفاته لهم وينحاز لسيبويه والبصريين حين يرى الصواب إلى جانبهم.وقد اهتم العلماء بشرح ابن عقيل للألفية ابن مالك وكتبوا عليه الحواشي، ومنها حاشية (إرشاد النبيل إلى ألفية ابن مالك وشرحها لابن عقيل) لابن الميت، وحاشية لعطية الأجهورية، وأخرى للسجاعي، ورابعة للخضري، والأخيرتان مشهورتان متداولتان.

7- همع الهوامع على جمع الجوامع للسيوطي:

جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ عالم له أثر كبير في علوم متنوعة، ومن كتبه المشهورة في علم النحو خاصة كتاب (جمع الجوامع) وشرحه المسمى (همع الهوامع)، وقد ألم (جمع الجوامع) بأطراف المباحث النحوية وأوجه الخلاف في مسائلها، وحرص مؤلفه على أن يحشد فيه جميع ما حوته كتب النحو من آراء كما صرح بذلك في مقدمته حين قال (وبعد فإن لنا تأليفا في العربية جمع أدناها وأقصاها، وكتابا لم يغادر من مسائلها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ومجموعا تشهد لفضله أرباب الفضائل، وجموعا قصرت عنه جميع الأواخر والأوائل، حشدت فيه ما يقر الأعين ويشنف المسامع وجمعته من نحو مائة مصنف فلا غرو أن لقبته جمع الجوامع، وقد كنت أريد أن أضع عليه شرحا واسعا كثير النقول طويل الذيول جامعا للشواهد والتعاليل معتنيا بالانتقاد للأدلة والأقاويل، منبها على الضوابط والقواعد، والتقاسيم والمقاصد)، وقد صنف فعلا شرحا ضافيا عليه سماه (همع الهوامع)، ورتب (الهمع) على مقدمة وسبعة كتب، ستة منها في النحو، والسابع في التصريف، ثم خاتمة في الخط أي في الرسم الإملائي.

أستاذ سابق في الجامعة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد