لعل من نافلة القول ونحن بصدد الحديث عن ثقافة الحوار أن أزعم أننا لم نتجاوز مرحلة الحوار الحقيقي بعد!، وإن كانت المملكة العربية السعودية بقيادة ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله هي من علق الجرس، وأعلنت المبادرة للدعوة إلى تقارب الثقافات من خلال عقد مؤتمرات الحوارات سواءً كانت على الصعيد الدولي أو المحلي إيماناً منها بأهمية مبادئ الإسلام السمحة، وأخلاقه الداعية إلى التسامح والتقارب والتآلف ونبذ العنف والإرهاب والتعايش السلمي فوق الأرض وتحت السماء وجعلت ذلك منطلقاً لها في دعوتها للحوار العالمي أو المحلي.
وكما لا يخفى على البصير أن الأسلوب الحواري في القرآن الكريم جاء مبتعداً عن الفلسفات المعقدة امتاز بالسهولة واللين في طرح الجدل، وبالإيجابية في الحوار، وخير مثال على ذلك، أمر الله تعالى لموسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون وأمره أن يجادله بالتي هي أحسن وأن يلين له في القول معه من أجل هدف سام هو ردعه ورده إلى سواء السبيل.. قال تعالى: {اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى} الآية، والقرآن الكريم مليء بالقصص التي تصور لنا هذه الجوانب الإيجابية للحوار.
وكم نسمع ونشاهد من المناظرات في العصور السابقة وفي هذا العصر التي دارت بين أطراف وأعطت نتائج إيجابية كمناظرات (ديدات) الشهيرة مع قساوسة النصارى.
والخلاف واقع بين الناس في مختلف الأعصار والأمصار، وهو سنة الله في خلقه، فهم مختلفون في ألوانهم، وفي ألسنتهم وطباعهم ومدركاتهم ومعارفهم وعقولهم وكل ذلك آية من آيات الله، وقد نبه القرآن الكريم في غير ما آية.
وثقافة الحوار التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله، هي بلا شك مبادرة مستمرة وغير مسبوقة، لن تتوقف سواء على الصعيد الداخلي أو على الخارجي إيماناً منه حفظه الله بأهمية ذلك وسعياً منه على جمع الكلمة.
ونشر ثقافة الحوار، مشوار حضاري يحتاج إلى الشخص المدرب والمؤهل فالمهمة عظيمة، لأنها ترتبط بالمفاهيم الحقيقية للعقيدة الإسلامية القائمة على الوسطية والاعتدال، ولما كانت هذه البلاد الطاهرة هي مهوى أفئدة المسلمين وقبلتهم، فإن الركيزة الأولى لها هي نشر مبادئ الوسطية والاعتدال والتسامح، وهذه المهمة تقع على عاتق العلماء والمفكرين والنخب المثقفة الذين يلقى على عاتقهم نشر هذه المبادئ في عقول شبابنا الذين يتطلعون إلى معرفة دينهم وسماحته والذين تترصدهم الفئة الضالة من أصحاب الفكر الضيق والمنحرف والذين يسعون لملء عقول هؤلاء الشباب بأوهامهم وأباطيلهم التي ليست من الإسلام في شيء ويصورونها لهم على أساس أنها منه، وهو منها براء.
وكما لا يخفى على الجميع أن المملكة العربية السعودية عندما تعلن وتدعو إلى هذا النوع من الحوارات الثقافية هي تنطلق من مبادئ وتعاليم وأخلاق الدين الإسلامي السمحة.
وبفضل الله قطع المجتمع السعودي شوطاً كبيراً في تكريس ثقافة الحوار بشكل يتفق ومعطيات العصر وآفاقه الواسعة ولم يتأتَ ذلك - في نظري - إلا بفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة التي تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً بما هيأت من الظروف للمواطنين والمثقفين والمهتمين والنخب المثقفة بكل توجهاتها وأطيافها بفتح حوار لتحقيق حوار وطني يوطد الوحدة الوطنية من جهة وتعزيز المواقف الإيجابية ودعمها من ناحية وتصحيح المواقف السلبية ومعالجة الأخطاء من جهة أخرى.
ولقد كانت للحوارات الوطنية أو الدولية التي أقيمت في السنوات الماضية سواء كانت داخل المملكة أو خارجها بدعوة وتوجيه من القيادة الرشيدة نقطة تحول وانطلاق إلى آفاق جديدة في واقعنا الاجتماعي والسياسي في ميادين الحياة كافة، وكان لزاماً على وسائل الإعلام المختلفة أن تضطلع بالدور المهم المناط بها لتفعيل النتائج والتوصيات الإيجابية المنبثقة من هذه الحوارات وتقوم بنشرها بكافة وسائلها وطرقها المختلفة لتتواءم مع تطلعات قائد مسيرة هذه البلاد الطاهرة وهذا من أبسط الواجبات مع الأخذ في الاعتبار المنطلقات العامة والشرعية والإنسانية التي استندت إليها كافة الحوارات الوطنية، التي جعلتها أساساً لها بقيامها على أساس الدين وغير منافية لمبادئه وثوابته.
ومن الأهمية بمكان مراعاة شروط وضوابط الحوار التي يجب أن ينطلق منها المتحاوران وكافة وسائل وكافة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية والتي منها: القبول بتعدد الثقافات والتقارب بينها والتواضع في طلب الحق والالتزام به ومحاربة الفساد وعدم اتباع الهوى، ووجوب معرفة الآخرين ومد الجسور معهم، مع التزام كل طرف باستهداف الحق مع تحييد التعصب للرأي والانتصار الأعمى له.
وثمة عوامل أخرى مختلفة تساعد بشكل أو بآخر على نشر ثقافة الحوار في المجتمع، ولكن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، تعتبر الوسيلة الفاعلة في هذا المجال وبإمكانها تسجيل رقماً مهماً في ذلك بما تستطيعه من تغيير للأفكار والتوجهات.
ذلك أن الإعلام يلعب دوراً مهماً في حياة الأمم والشعوب خاصة في ظل التطورات الهائلة التي يشهدها العالم الآن من تفجر في عالم المعرفة، وانفتاح للقنوات الفضائية بشكل كبير جداً، مما أدى إلى تنافس عظيم من القنوات ووسائل الإعلام المختلفة.
ولا يقصد بالإعلام فقط القنوات التلفزيونية فحسب، بل جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وحتى الإلكترونية كالإنترنت التي أصبحت تشتمل على مئات المواقع وعدد لا يستهان به من المعلومات سواء كانت صحيحة أو خاطئة.
وهنا تقع المسؤولية - في نظري - على الجميع أدباء ومفكرين ورجال إعلام وثقافة في وضع الخطط والبرامج الكفيلة بنشر ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع وطبقاته المختلفة وزيادة مستوى الوعي والإدراك لديهم عن أهمية الحوار من أجل تقدم ورقي الشعوب.
ومن الإنصاف أن توضح جهود وزارة الثقافة والإعلام في المساهمة مع الجهات الأخرى في نشر ثقافة الحوار، ففي الشأن الثقافي تضطلع الوزارة بمسؤولياتها وفق خطط مدروسة تنفذها بين الحين والآخر متضمنة ما تقوم به من أنشطة ثقافية من خلال إقامة الأيام الثقافية المتبادلة مع الدول العربية والإسلامية والصديقة بغية تحقيق الأهداف المرجوة من تلاقح الثقافات والتقارب وكسر الحواجز بينها.
وما تقوم به الأندية الأدبية هي الأخرى من دور في الإعداد والتحضير للمحاضرات والندوات واستضافة المهتمين بهذا الشأن.
وبما أن الثقافة تشمل قضايا الاعتقاد واللغة والقيم والقوانين والأعراف والآداب والفنون التي تتشكل منها شخصية المجتمع، فإن الوزارة تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً من خلال استثمار جميع قنوات التواصل الثقافي البناء مثل: مواسم الحج والعمرة لتبادل المنافع الثقافية والفكرية مع ضيوف الرحمن. والزيارات واللقاءات المتبادلة بين القيادة الإسلامية مع الدول الأخرى في المناسبات.
كذلك تبادل الإنتاج الفكري والفني والإبداعي في حقول الفكر النافعة والتعاون مع الإعلام العالمي المنضبط والانفتاح عليه بما يخدم التواصل الإيجابي مع الآخر دون المساس بالثوابت الشرعية.
أما في الشأن الإذاعي والتلفزيوني والصحفي، فالوزارة تقوم بمواكبة جهود الدولة في هذا الصدد من خلال هذه المنظومة المتكاملة وفق ما تقوم به من إعداد البرامج المختلفة لنشر ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار، وتجسيد مبدأ التعاون مع المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية الأخرى للإعداد للبرامج التي تساهم في ترسيخ القيم الأخلاقية النبيلة وتشجيع الممارسات الاجتماعية السامية والتصدي للإباحية والانحلال وتفكك الأسرة.
وتنظيم الندوات المشتركة وإعداد البرامج الإعلامية بواسطة وسائل الإعلام المختلفة لإشاعة ثقافة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي، وبيان جهود الجهات ذات العلاقة من خلال التغطية الإعلامية لجميع فعاليات الحوارات الوطنية التي أقيمت بالمملكة وخارجها مؤخراً وجراء المقابلات مع المهتمين في هذا الشأن، ولا تغفل جانب دعوة الكتاب والمفكرين والنخب المثقفة لتسخير أقلامهم للكتابة في الصحف والمجلات عن أهمية الحوار وبيان جوانبه الإيجابية على المجتمع، وتوجيه الصحف والمجلات بتغطية فعاليات مؤتمرات وملتقيات الحوارات بشكل احترافي.
ووسائل الإعلام المختلفة عندما تقوم بأدوارها هذه وضعت نصب عينها آداب الحوار في الإسلام في جميع أطروحاتها والتي تسعى من خلاله لنشر ثقافة الحوار، والوزارة وعلى رأسها معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة تدعو ولا تزال أصحاب الفكر من العلماء والمشايخ والمفكرين المؤثرين للمساهمة في برامجها الإعلامية والثقافية في مجال نشر ثقافة الحوار، ويحدوها الأمل في استجابة هؤلاء، وتتطلع إليه بكل شفافية.
ومما يدل على اهتمامها في هذا الشأن تصريح معالي الوزير لرجال الإعلام على هامش ملتقى المدربين المعتمدين الذي أقيم مؤخراً عندما أعلن توجه الوزارة بإنشاء قناة للحوار، ودعوته للمثقفين وللنخب المثقفة للمساهمة للفاعلة وإنكار الذات.
ومن حسن الطالع أن هذه الوزارة شرفت بهذه الشخصية الأكاديمية الإعلامية الدبلوماسية المتواضعة التي اتسمت بسعة الأفق وفتح أبواب التواصل مع النخب المتعددة، وتوج معاليه هذه الخصال بترسيخ مفهوم تقبل رأي الآخر بأريحية تجسد ذلك بالاستمتاع بآراء بعض أعضاء مجلس الشورى حول أداء وزارة الثقافة والإعلام ونقد بعضهم حتى كانت تصريحات معاليه حول هذا الأمر محل ثناء وتقدير معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ بما اتصفت به من عقلانية وتقبل لآراء الآخرين والوعد بمراعاتها والأخذ بها بجدية، ودعوة معاليه لأعضاء مجلس الشورى بزيارة وزارة الثقافة والإعلام للوقوف عن كثب عن مناشطها وما تقوم به من أعمال تساهم بها مع الجهات الأخرى إعلامياً وثقافياً.
المستشار الإعلامي لوزير الثقافة والإعلام