الكتاب هو: رسم على أديم الزمن (لمحات من الذكريات) الجزء الرابع عشر والمؤلف: معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر صاحب القلم السيال، والأفكار المتجددة حيث ملأ الساحة الثقافية بـ(21) كتاباً، وتبلغ بالأجزاء (9)..
..أجزاء فهو يرصد في هذا الكتاب بجزئه الأخير (14) وأن يكون أخيراً، فهو آخر جزء بطبعته الأولى 1430هـ كما بينه في المقدمة قائلاً: وهذا الجزء يصف عملي في الجامعة، بعدما أوغل الغماسي في العمل الإداري، في هذه الجامعة الفتية، وفيه صور متتالية عن الحياة الإدارية، والحياة العلمية، التي أوقفت وقتي عليها، في السنة الثانية للالتحاق بالعمل، وسوف يرى القارئ صوراً من السير للامام، وما واكب ذلك من إنجاز، وما وقف شامخاً تتكسر عليه أمواج المشاكل (الأفضل المشكلات: لأنه جمع مؤنث سالم مفردة به تاء التأنيث)، والعقبات: وأبرزها العقبات الإدارية: نقص الكتابات الإدارية، مما يضطرنا السعوديين أن نقوم بما هو فوق طاقتنا، وأحياناً: أقل من تأهيلنا لمثل هذه الأعمال إلا بأضعاف جهد المتخصص المؤهل المجيد، المنقطع لهذه الأعمال إلى آخر ما جاء في هذه المقدمة التي بلغت (13) صفحة والتي رسم فيها خطته في هذا الجزء من اللمحات.
ويبدو أن هذا الجزء بصفحاته الـ(620) عدا (5) صفحات في آخره عن المؤلف، وما صدر من كتبه، قد حرص فيه المؤلف على إيداع ذكرياته الإدارية، بين دفّتيه بحيث أصبح الحجم، وما طرح فيه من ذكريات، يعتبر أكبر حجماً من الأجزاء قبله.
وقد بدا بما يؤرقه، وما له دور في الديمومة والاستقرار، وهو أرض الجامعة التي قدرها بملايين الأمتار المربعة.
ثم تصميم الحرم الجامعي ودور سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز بحماسته في إنجاز المشروع، والتخطيط بعيد المدى، قد أبرزهما حيث بانت الآثار الاستيعابية والجمالية مع تزايد الكليات، والارتفاع المنقطع النظير في عدد الطلاب، الذي لم يوقع الجهة المخططة في حرج.
حيث تحقق للجامعة مكانة معمارية وهندسية: أعلت المنزلة التي تبوأتها علمياً، حتى أصبحت جامعة الملك سعود التي هي أول جامعة في المملكة تمثل ما يليق بها سمعة ومركز إشعاع علمي في الداخل والخارج، في عين كل من يزور الرياض الذي من برنامجه الزيارة بهذا الصرح العلمي، بعدما سبقت السمعة والمكانة تلك الزيارة.
ولا شك أن مكانة الجامعة، وما حظيت به من سمعة حسنة، مع الرسوخ بين رصيفاتها وفي وقت وجيز من عمرها، يدفع ذلك اهتمام الدولة، مما تحدث عنه الدكتور في هذا الكتاب، أعطى للجامعة ثقلاً وجعلها معلماً مهماً في مدينة الرياض، بإدارتها وهيئتها التعليمية المنتقاة، وتعاونهم في إبراز هذه المكانة.
وإن المتتبع لما جاء في هذه الذكريات، ليحتار فيما يأخذ وماذا يدع، إلا أن يشد على يد المؤلف، في طرحه للمعلومات المهمة في تاريخ جزء من تاريخ البلاد تلك الفترة: علمياً واجتماعياً وأدبياً، مما يصبح مع الأيام، وزحف الجديد على القديم، مرجعاً مهماً للأجيال.
لكنني سألتقط من هذا الكتاب ما يتلاءم مع الحيز، وهذا لا يحط من قدر المعلومات المهمة: شخصية وعلمية الواردة فيه. فهو يتحدث كثيراً عن المحاضرات، والرياضة والرحلات والكشافة في الجامعة، باعتبار هذا من النشاط الطلابي، الذي يشترك فيه الطلبة مع رجال من هيئة التدريس بالجامعة، من أجل تقوية الرابطة بين الطرفين.. وكان من بين تلك المحاضرات، ما حضره وفد من شركة أرامكو يوم الاثنين 25 القعدة -ولم يحدد السنة- بين الساعة الرابعة والخامسة ظهراً، بالتوقيت الغروبي، السائد في البلاد ذلك الوقت، وسيراً على برنامج المحاضرات العامة سوف يلقيها الدكتور محمد فوزي عن (اللغة عند الحيوان) بما يدل عليها من يراقب الحيوانات في تفاهمها مع بعضها، والمحاضر مدرس بكلية العلوم بقسم الحيوان والمحاضرة شيقة (ص 295 - 299).
وفي موضع آخر أبان عن حماسة الشيخ عبدالعزيز بن حسن، وزير المعارف ورئيس الجامعة في تعليم البنات بالجامعة: أولاً انتساباً، إلى أن اتسع المجال، بما هو عليه الآن، وذكر بعض المشكلات التي أمكن التغلب عليها (ص 310-312).
ولقرابته أسرياً من الشيخ عبدالله البسام، بالرحم اللصيق، فقد تحدث عن ولعه بالتاريخ، والتراجم التي بان أثرها بما برز من مؤلفاته، وبين أساس الولع، مع أن عمله كان في القضاء، بأن ذلك يرجع إلى اطلاعه على الكتب والمخطوطات التي كانت عند خاله سليمان البسام الذي كان عنده ثروة منها، وعلى صلة بها سنوياً أثناء إجازته الصيفية، التي كان يقضيها في عنيزة، ثم قال: وفهمت أن المؤرخ إبراهيم بن عيسى المعروف في مرضه الذي توفي فيه، أوصى سليمان على أولاده، وأنهم عند حصر إرثه رأوا بيع كتبه، فأنزلوها للحراج، وأخذ العم سليمان يزاود فيها إلى أن أوصلها إلى مبلغ خيالي بسعر تلك الأيام، ويقال إنه أوصلها في المزايدة إلى (48) ريالاً فرنسياً (ماري تريزا). كان بعضها كتباً، وبعضها أوراثاً منثورة، لم يضم بعضها إلى بعض، ولعل بعضها مسودات، فكان الشيخ عبدالله يقوم بجمعها: بعضاً إلى بعض، فتكون من جهده في ذلك بعض التواريخ، ومنها كتابا ابن عيسى المعروفان. ثم قال: ونُقل رواية عن الشيخ حمد الجاسر أن سمعة هذه الكتب بلغت المهتمين بتاريخ المملكة، وأن الشيخ حمد طلب من سليمان البسام الاطلاع عليها فأنكر سليمان وجودها عنده، وبعد مدة وبينما الشيخ حمد يراجع مكتبة أرامكو وجد صورة منها، قد نقلها (فيلبي) ثم في نهاية حياته أهداها مع بعض كتبه لهذه المكتبة (مكتبة أرامكو) فحققها الشيخ حمد وطبعها.
وجاءه احتجاج من الشيخ سليمان الصالح البسام بأنه اعتدى على مخطوطات مملوكة، ملكاً خاصاً فرد عليه الشيخ حمد بأنه أخذها من مكتبة عامة، إلى آخر ما ذكر في هذا الموضوع (ص316-321).
وهناك رواية أخرى حدثني بها الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- عندما كتبت في مجلة الدارة موضوعاً عن كتاب تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق، ورد علي الشيخ عبدالله محتجاً رحمه الله بمقال عنيف فحرضني الشيخ حمد على الرد، وشخصية مهمة في عنيزة أيضاً.. واستفدت منها في ردي بالدارة، فكانت هذه الحادثة صلة وصداقة مع الشيخ عبدالله رحمه الله حتى مات، والملابسات التي ذكرها الشيخ حمد والشخصية المهمة في عنيزة تختلف عن هذا السياق فقد تكون هذه غير تلك - والله أعلم.
وكون معالي الدكتور في عمل تربوي ومعقل علمي فقد عالج مفارقات بين طالبين جامعيين رمز لأحدهما ب(أ) والآخر بحرف (ب) وكانا متعثرين في دراستهما، أما (أ) فينقصه الذكاء والمقدرة على الاستيعاب، وأما (ب) فكان ذكياً لكنه مهمل، وقد تبسط في المعالجة، بحكمته وحرصه على نجاحهما في الحياة، وحكى ما آل إليه أمرهما بعد ذلك، وكل ميسر لما خلق له (ص327-334).
فالكتاب جميل وشيق، وفيه تعريف بعادات كادت تنقرض وينمحى أثرها من المجتمع، ومداعبات إخوانية فيها ألوان من المقالب الظريفة التي يتقبلها الجميع على اختلافات مراكزهم الاجتماعية برحابة صدر.
وللتحولات التي طرأت على حياة الناس في كثير من الأمور فقد جاءت هنا رصداً تاريخياً يهم الأجيال المقبلة، وغفل عن تدوينها كثير من الكاتبين، لذا فإن كتب معاليه ستصبح مرجعاً في يوم من الأيام، ولعله استحدث ذلك من ولعه التاريخي.. وقد خُتم بنماذج من الوثائق (548-553) وسبع عشرة صورة (554-570) وفيها رس للموضوعات والأعلام والأماكن (572- 620) ورصد لكتبه التي صدرت مع نبذة عن المؤلف بعد ص 620، في خمس صفحات لم ترقم.
اسطوانة التوبة
جاء عن السهودي في وفاء الوفاء: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف طُرح له فراشه، ووضع له سرير عند اسطوانة التوبة.. فما هي اسطوانة التوبة، وما حكايتها ولماذا سميت؟
لقد جاء في السيرة النبوية، لابن هشام قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة بعثوا إليه أن أبعث لنا أبا لبابة بن عبدالمنذر، أخا بني عمرو بن عوف. وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وأجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح.
قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله حتى ارتبطه في المسجد، إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليّ مما صنعت، وعاهد الله أن لا يطأ أرض بني قريظة أبداً.
فلا تراني ولا يراني الله في بلد، خُنت الله ورسوله أبداً فيه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وأبطأ عليه، وكان قد استبطأه، قال (أما لو جاء في لاستغفرت له، فأما إذا فعل ذلك بنفسه، فما أنا بالذي يطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه).
فأنزل الله توبته على رسول الله عليه الصلاة والسلام هو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: قالت أم سلمة، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك من السحر، فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنّك، قال (تيب على ابن لبابة).
فقلت: ألا أبشّره بذلك يا رسول الله، قال (بلى إن شئت). فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب الحجاب فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك.
فثار الناس ليطلقوه قال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه خارجاً إلى صلاة الصبح، أطلقه وأنزل الله فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (27) سورة الأنفال.
سيرة ابن هشام ج3 ص 247.