التحدي الأكبر أمام وزارة العمل ومكاتبها المنتشرة في طول البلاد وعرضها هو الواقع المرير والليل الطويل في ظل عدم وجود آليات شفافة تكشف كل مظاهر التقهقر الحاصل في عملية توطين السعوديين وتوظيفهم. وهذا التحدي يتطلب وجود أبطال حقيقيين في كل مواقع التنفيذ والمراقبة ...
... والمتابعة للوزارة يتسلحون بروح الإقدام على العمل المتواصل الدقيق والقدرة على حشد جميع الملكات خلف هدف موحد، هو تعويض ما فات المواطنين من فرص عمل ضائعة تبددت في السابق نتيجة العوامل المعيقة من قبل أطراف متداخلة عديدة. إن أكثر ما نحتاجه في هذه المرحلة هو اعتماد ثقافة (الانحياز) الكامل والتام للمواطنين لتحويل طموحاتهم وآمالهم في الحصول على وظيفة إلى حقائق، وذلك وفق خطط وبرامج جدية تطرح بأجندة فعالة آنية وسريعة تتحرك في كل زوايا ومفاصل القطاعات والمنشآت الخاصة، بعيداً عن الاستغراق في ثقافة الاستسهال في التصريحات الصحفية والوعود التي تطلق بواسطة بعض المسؤولين الإداريين في وزارة العمل من دون وجود ما يدعمها على الأرض من تغيير في واقع التوطين الحالي أو حتى تحسن في حراكها المزمن منذ عقود خلت. إن الفجوة بين حاجة المواطن لوظيفة وبين خطط ومنهجية وتصريحات بعض منسوبي الوزارة قد ازدادت وكبر حجمها، ولعل إجراء جرد حقيقي لبحار الكلمات والتصريحات والندوات التي أطلقها ومارسها بعض النخب في وزارة العمل بشأن موضوعات التوطين المختلفة سيشير إلى أن المحصلة المتحققة على أرض الواقع لا تكاد تُذكر بالقياس للكم الهائل من طلبات التوظيف اليومي، تشهد على ذلك أبواب مكاتب العمل الكثيرة التي تزدحم فيها أجساد وطنية هائلة وكبيرة شيباً وشباناً، فتيات ونساء، الكل متعب أضناه البحث عن سراب الوظيفة. ولعل الأسباب والدوافع وراء تلك الأزمة هي عدم وجود قوة دفع حقيقية تعالج أس المشكلة. ولأن الوزارة -على ما يبدو- قد فقدت القدرة المهنية والديناميكية والاحترافية والفكرية، ولا أجانب الصواب إذا ما قلت (المصداقية) في ردم الفجوة الكبيرة والعميقة بين المواطن وحاجته للوظيفة وبين الوزارة. ذلك رغم أن بعض التصريحات الغامضة والأقوال المتضاربة من قبل بعض القيادات النافذة في وزارة العمل التي لا تفيد المواطنين في رزقهم وفي معاشهم بل تسبب بعض هذه التصريحات إلى اهتزازات مثيرة وتصنع أجواء من القلق وعدم الاطمئنان عند المواطن وتضيف عليه أعباء نفسية إضافية إلى مشكلاته اليومية الأخرى. ومن هنا يبرز التحدي في اختيار إستراتيجية عمل تنفيذية جديدة نحو توطين معظم الوظائف بمواطنين كثر تكتظ بهم فسحات وردهات الوطن الكبير. إن على وزارة العمل أن تسارع الزمن وتتناغم مع أجندة آلاف الخريجين الجدد الذين يدخلون سوق العمل كل عام في مختلف العلوم والمهن، وعليها -أي الوزارة- توفير الظروف والوجهات الملائمة التي تتيح لهم العمل من أجل مستقبل مشرق واعد، في ظل خطط واعية مدروسة تضبط أداء المواطنين وتوائم مع مصلحة المنشآت في الوقت نفسه وبشروط مقيدة غير مفلوتة، حرصاً على تجنب الأخطاء والسقطات الماضية. إن المشروعات والإستراتيجيات ومراكز التدريب وصناديق التنمية البشرية الحالية في تأهيل وتوظيف المواطنين وتوطينهم غير فعالة وغير مجدية ولا ترقى لمستوى الطموحات بل تفتقر إلى المعايير العلمية في حماية المواطن من الأسلاك الشائكة الكثيرة والخطيرة حوله والعيون المتربصة به. إن تفعيل عملية الإحصاء الدقيقة لأعداد البطالة والأخذ برأي الناس، إذا أرادت وزارة العمل بناء منظومة جديدة في العمل، سيساعد في تعزيز الأجواء الإيجابية للأزمة والمصاحبة لتنفيذ القرارات والمشروعات ويزيد في ثقة الناس بمصداقية الوزارة ومنهجية عملها. إن المواطنين بحاجة ماسة وسريعة إلى وضع قاعدة راسخة للتوطين، واضحة وسهلة التشريعات تحفظ حقوقهم الوطنية في التأهيل والتوطين والتوظيف وفق معايير وقرارات صارمة لا تشوبها أية شائبة. إن تجارب الأمم المتقدمة ونجاحاتها لم يأت من التمني المجرد ولا من الاستغراق في التصريحات التي تتغذى من ثقافة الإنشاء وإنما باتباع النظام والدقة والحرفة والمهنية والصرامة في الأداء المميز الذي يتناسب مع تحديات الواقع، في ظل ترسيخ مبدأ (المواطن أولاً) لكي نضمن وطناً بلا بطالة ووطناً بطاقات وأيد وطنية منتجة وفعالة. لذلك ينبغي التفكير جدياً برمي عباءة خطط وإستراتيجيات الماضي وتطويحها في منحدرات الأودية السحيقة للأبد وإيجاد خطط وإستراتيجيات جديدة طارئة وسريعة لإنجاز وتأهيل (أشبالنا وزهراتنا) وتحضيرهم للمستقبل القادم الذي يجب أن يكونوا هم أسه وعماده وليس غيرهم من أصحاب الإقامات المؤقتة (الترانزيت). إن العالم من حولنا يعمل ويتشكل ويهتم وفق منظومة تعالج مصالح مواطنيه الشخصية والعامة، وعلينا أيضاً أن نعمل ونتشكل ونهتم وفق مصالحنا الشخصية والعامة أيضاً حتى لا يفوتنا القطار ونندم حين لا ينفع الندم والبكاء والعويل والوقوف على الأطلال والنوم حول التخوم وفوق التلال.
خاتمة
إن (توطين الوظائف) أحد أهم القضايا الراهنة في حياتنا، وهو بنية بشرية تحتية مهمة نظراً للدور الذي يلعبه في تنمية الموارد البشرية الوطنية لصلتها بتفعيل عجلة الاقتصاد والحفاظ عليه وتحقيق أقصى درجات النمو والتقدم البشري والحضاري للأمة.
ramadan.alanazi@aliaf.com