تأمّل أخي في هذا الحديث في الصحيحين: عن عائشة قالت اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مرحباً بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثاً فبكت فاطمة، ثم إنه سارَّها فضحكت أيضاً، فقلت لها ما يبكيك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانظر أخي في الله كيف أن فاطمة وفي أصعب الظروف لم تكن تخبر بسر سارّها به أبوها صلى الله عليه وسلم؛ لأنها تعلم أنه لا يحب ذلك من غير أن يقول لها لا تنشريه، بل لأنه طلبها وسارها فعلمت أنه لا يريدها تنشره؛ ولهذا قد يقول لك شخص سرا وتعلم من حاله وطريقته أنه لا يريدك نشر السر حتى من غير أن يطلب منك عدم نشر السر فيجب عليك عدم نشر سره ولا تقل إنه لم يطلب مني عدم النشر. وإن حفظ السر ليس بخاص بابنته صلى الله عليه وسلم بل كذلك خادمه أنس رضي الله عنه كما في الصحيح، قال ثابت عن أنس قال أتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلَّم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة قالت ما حاجته قلت أنها سر، قالت لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً. فتأمل في فعل أنس وكيف حفظ السر حتى لم يخبر به أمه مع العلم أن أنساً كان صغيراً في السن لكنه كبير في تحمل المسؤولية وفي حفظ السر، وهو خادم، ومع ذلك يستشعر الأهمية في حفظ السر حتى عندما طلبت أمه - وحق الأم عظيم - ولكن من تحمل السر فعليه ألا ينشره أو لا يتحمله أصلا لكي لا يضيع الأمانة التي تحملها وكلف بها، فلو علم الإنسان أنه لا يستطيع حفظ السر فلا يتحمله من أساسه، بل وأخطر منه من تحمل سراً منك ثم أصبح يهددك بهذا السر؛ ولهذا تخيّر من تنشر له سرك إن كنت تحتاج إلى أن تخبر بسرك أحداً. والله المستعان.
تبوك