انتهت الامتحانات وبدأت الإجازة السنوية ولسان حال المربين وأولياء أمور الأسر حان وقت الراحة من كل جوانبها راحة بدنية وراحة نفسية راحة من تعب ونصب الحياة الدراسية.
وقد تتطور هذه الراحة لتصبح في إطار سلبي القاسم المشترك فيه التهرب من المسئولية والتفريط في أمانة الله عز وجل في رعاية هذه الذرية.
في تحقيقنا هذا لمسنا هذه المشكلة من عدة زوايا.
عظم المسؤولية
بداية أوضح الشيخ بسام بن سليمان اليوسف مدير مركز البحوث والدراسات المساعد بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن المسؤولية تعظم في حق الآباء والأمهات تجاه أولادهم في كل وقت وحين، لا سيما وقت الإجازات الصيفية، وقال فالفراغ سبب لتسلط الشيطان بالوساوس الفاسدة التي ينشأ عنها كثير من الانحرافات والمعاصي فالنفس إن لم تُشغل بالحق والخير شغلتهم بالباطل والشر. والفراغ الهائل الذي يخيم على أكثر الطلاب والطالبات في فترة الإجازة، لا يحسن كثير من الأولياء استعماله ولا تصريفه، فهي أوقات سائبة وطاقات معطلة من خير الدنيا أو الآخرة ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
صور التفريط
وحول بيان صور هذا التفريط اتجهنا للمرشد الطلابي في متوسطة الإمام السوسي الأستاذ سلطان بن ناصر العبد الجبار الذي حدثنا عن صور مختصرة تجلى فيها التفريط الذي يقع فيه بعض الناس ومنها:
أولاً: الفهم الخاطئ لمعنى الإجازة عند البعض بأنها تعني الإعفاء من الواجبات الأسرية والتسامح في المحرمات وهذا خطأ فاحش، ففعل الواجبات وترك المحرمات فرض واجب لا يتساهل فيه بل يكون وقت الفراغ والإجازة مدعاة للاهتمام به كما قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}
ثانياً: إدخال الملهيات والمفسدات في البيت للإضرار بالدين والأخلاق.
ثالثا: ترك الحرية للأبناء والبنات في مزاولة ما يشتهون مما يضرهم في دينهم ودنياهم بزعم أنهم في إجازة وقد نجحوا في الامتحانات.
رابعاً: السهر الطويل في الليل بلا مبرر والنوم في النهار حيث أصبح ليل السكون والراحة مرتع الملهيات والمحرمات ونهار الجد والعمل خمول ونوم وكسل.
خامساً: السماح أو الإسهام في سفر الأبناء والأهل إلى بلاد يكثر فيها الفساد والانحلال.
سادساً: التفريط في إلحاق الأبناء والبنات بحلقات التحفيظ والمراكز الصيفية التي يستفيدون منها في قضاء الوقت.
سابعاً: عدم تخطيط ولي الأمر أو الشاب والشابة لنفسه في الإجازة بشغلها بعمل ينفع من الدورات العلمية أو التقنية أو إنجاز أعمال في وقت الإجازة يضيق وقت العام الدراسي عن إتمامها.
ثامناً: سفر بعض أولياء أمور الطلاب وتخليه عن المسؤولية عنهم في مكان سفرهم.
تاسعاً: يقول الله تعالى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} وأن مفهوم التخلي عن المسؤولية يتعارض مع التوجيه الرباني في الآية الكريمة.
آثار مدمرة
من جانبه نبه فضيلة الدكتور عبد الرحمن بن عمر المدخلي مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة جازان على خطورة أثر تفريط الآباء في رعاية أبنائهم خلال الإجازة على المجتمع وقال الأجيال أمانة لدى من هم أقدم منهم خبرة ودراية ومعرفة، والأبناء بأمس الحاجة إلى التوجيه والرعاية خاصة في مواسم الفراغ والإجازات. والمسؤولية المناطة بالآباء قبل أي أحد إذ لهم التأثير المباشر على الأبناء يتجلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.. الحديث) وفي ذكر اليهودية والنصرانية والمجوسية تمثيل وليس للحصر بل كذلك كل نحلة أو ملة أو ديانة أو فكر دخيل أو آراء شاذة فللوالدين تأثير بليغ على سلوك الأبناء منذ الطفولة.
وأضاف الشيخ المدخلي وحينما يتنصل الآباء من المسئولية فإن التبعات تكون بالغة الخطورة على الجميع بما فيهم الآباء أنفسهم ومن تلك الآثار:
1- وقوع الأبناء فريسة ولقمة سائغة لذوي المشارب الدخيلة من الخوارج والمبتدعة وأهل الشبهات المضلة فينتج عن ذلك أن يضلوا عن سواء السبيل ويصبحوا معاول هدم ودمار للإسلام.
2- وقد يكون العكس وذلك بانجراف الأبناء وراء أدعياء السفر والسياحة في البلدان الأجنبية مع أرباب الغفلة وعبيد الشهوة ومرتادي المراقص والحانات والبارات والوقوع في شراك الرذيلة وحمأة المخدرات وحينئذ يعودون وقد أصابتهم الأمراض الجنسية علاوة على تعلق القلب بتلك الأماكن.
3- قضاء ساعات النهار في النوم وساعات الليل في السهر والبطالة والتسكع في الأسواق والمحلات التجارية ومضايقة الآخرين وقد يصاحب ذلك مشاهدات لقنوات فضائية سيئة أو أفلام هابطة.
جهد ومناصحة
كما تحدث رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة ينبع الشيخ مشعل المطيري عن جانب معاناة الهيئة من هذا التفريط خلال الإجازة فقال إن مراكز الهيئة في أيام الإجازات الصيفية تبذل جهداً كبيراً في مناصحة ومعالجة ما يحدثه بعض الشباب الفارغين والذين يتسكعون في المجمعات التجارية النسائية والأسواق والطرقات وعلى الشواطئ وحول المنتزهات من مخالفات شرعية ومضايقات للعوائل. وقال ولعلك تنتقل معي عزيزي القارئ بخيالك لتشاهد الصورة الرائعة لدورية الهيئة وهي تقوم بواجبها على الشواطئ في مدينة ينبع موجهة وناصحة ترشد غاوياً وتدل حيراناً وتنقذ ملهوفاً وبينما هي كذلك إذ برجال الهيئة يشاهدون منظراً مزريا لفتاة مراهقة في عمر الزهور وهي مع ثلاث من الشباب المراهقين متقاربي العمر لا تمت لهم بأي صلة قرابة ولك أن تتخيل عمق المأساة والإشفاق وحجم الألم والحزن الذي خيم على رجال الهيئة حينما أعلمتهم الفتاة أنها هاربة من بيت أهلها منذ أسبوع من أحد المدن الكبرى المجاورة وفضلت العيش مع ذئاب البشر والسبب تصحر البيوت وجفافها من مشاعر الحب ولمسات الحنان وعاطفة الرحمة.
وقال فضيلته مخاطباً ولي الأمر إن يداً حانية منكم تمسح الشيء الكثير من معانات أبنائكم في خضم هذا الموج المتلاطم بالفتن والشهوات. وإن ابتسامة لؤلؤية صادقة من محياكم في وجوه أبنائكم يضفي لوناً من ألوان الأمان وسط اصطدامات الحياة.
العلاج
وبعد أن وضعنا أيدينا على الخلل في هذه المسألة تبقى لنا وبشكل ضروري أن نعرف العلاج الناجع لهذه المشكلة الشيخ بسام اليوسف قال في اعتقادي أن علاج ظاهرة تهرب أولياء الأمور عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم في إجازة الصيف، خاصة مع وجود وسائل الشر يمكن علاجه عبر القنوات التالي:
أولاً: استشعار الأولياء لمسؤولية التربية، وأنها مسؤولية عظيمة، استرعى الله سبحانه وتعالى الآباء والأمهات عليها.
ثانياً: عدم التفريط في تربية الأبناء وإشغال أوقاتهم بالمفيد النافع في الإجازة وغيرها.
ثالثاً: على الآباء أن يرسموا برامج نافعة للأبناء في الإجازة الصيفية، من دخول لحلقات الذكر والقرآن، ومشاركة في المراكز الصيفية، وتشجيعهم على ذلك، بل بذل النفيس في سبيل ذلك، من مال وهدايا مجزية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (فينبغي تيسير طريق الخير والطاعة، والإعانة عليه، والترغيب فيه بكل ممكن، مثل أن يبذل لولده أو أهله أو رعيته ما يرغبهم في العمل الصالح من مال أو ثناء أو غيره).
رابعاً: أن يشارك الآباء الأبناء في بعض هذه البرامج، مثل أن يكون هناك رحلة صيفية، لقاء مشاركتهم في البرامج الصيفية، كحلقات القرآن وغيرها، فيسافر الجميع إلى مكة المكرمة، لأخذ عمرة والصلاة في المسجد الحرام التي هي بمائة ألف صلاة، أو إلى المدينة المنورة والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والتي تعدل ألف صلاة فيما سواه، أو إلى مناطق معتدلة الأجواء كعسير والباحة وغيرهما من بلادنا الجميلة.
خامساً: محاولة فهم نفسيات الأبناء ومعرفة المرغوب عندهم، والقدرات التي يجيدونها.
سابعاً: توفير الصحبة الصالحة للأبناء خلال فترة الإجازة الصيفية وفي غيرها كذلك، لأن المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
ثامناً: أن يرسم الآباء برامج منزلية للأبناء، فيضع المسابقات النافعة، وإعانتهم على تكوين مكتبة منزلية لهم، تحتوي على أمهات الكتب أنواع الأشرطة النافعة، التي يستفيدون منها، وكذلك إقامة بعض الألعاب المناسبة للأبناء، والتي تفيد الأجسام والعقول.
تاسعاً: أن يعمد أولياء الأمور على تعليم أبنائهم خصال الخير، فيتم زيارة الأقارب والأرحام، فالجد والجدة والأعمام والعمات والأخوال والخالات لهم حق علينا بالزيارة والصلة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم.
أخيراً: قبل ذلك وبعده، أن يلجأ الآباء إلى الله تعالى في أعانتهم على تربية أبنائهم، وتوفير الأجواء المناسبة لهم في عطلة الصيف، وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يقيهم من كل شر وسوء، يقول الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}