أثبتت بعض الدراسات الغربية والطبية العلمية العالمية في مجال تأثير أداء النصح أو التوجيه للآخرين على صحة الإنسان وشعوره العاطفي والنفسي.
وتناولت تلك الدراسات بطابعها ومفهومها الغربي أن الكثير من الأشخاص يتألم ويتأثر سلبياً حينما يرى أن الآخرين يخطئون ويرتكبون بعض الأخطاء التي قد يكون لها أثر سيئ على حياتهم بينما يستطيع تقديم النصح والإرشاد والتوجيه لهم ولكنه لم يقم بذلك، وأكدت تلك الدراسات أن الذي يرى تلك الانحرافات والأخطاء ثم يتجاهلها يتولّد لديه شعور حاد بالتقصير وعدم مساعدة الآخرين وبالتالي تتراكم هذه الحالة النفسية من الشعور بالتقصير تجاه الآخرين وتؤثر على سلوكه وشعوره الداخلي مما قد يجعله عرضة للقلق والتوتّر والندم وتأنيب الذات والشعور بالخطأ.
كما وأكدت بعض تلك الدراسات على أن الإنسان حينما يجعل نفسه في خدمة الآخرين ويوجههم ويرشدهم ويصحح انحرافاتهم ويساعدهم على تدارك الأخطاء فإنه يشعر بالراحة النفسية والشعور بالمتعة والنشوة والشعور بالثقة بالنفس وأنه إنسان إيجابي تجاه الآخرين وتجاه المجتمع وأن الناس استفادوا من توجيهه ونصحه، وهذا الشعور يجعله لا يشعر بالتوتر والقلق ولا اليأس ولا الإحباط لأنه قدم شيئاً إيجابياً لمن حوله.
وكلتا الحالتين يترتب عليهما بعض العمليات الحيوية الفسيولوجية التي تتم داخل الجسم ويتم إفراز أو توقّف بعض المواد الكيميائية الحيوية الهامة للجسم والتي يؤدي نقصها أو زيادتها إلى بعض الأعراض المرضية النفسية من إحباط ويأس وكآبة وانطواء وانفصام بالشخصية ورعاش وتوتّر وقلق... الخ، فجميع هذه الأمراض والأعراض تأتي بسبب خلل ما في تدفّق وإنتاج تلك المواد الكيميائية بالجسم.
وبناء على تلك الدراسات فإن ما ينطبق على مجتمعنا المسلم هو أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تؤدي نفس الغرض وتناسب مجتمعنا الإسلامي بحيث يلجأ المسلم (كل مسلم وليس فقط رجال الحسبة) إلى أداء هذه الشعيرة إبراء للذمة وتقربا إلى الله ولكنه أيضا يشعر بنفس المتعة واللذة والانشراح والسعادة حينما ينقذ شخصاً ما من جريمة أخلاقية أو ارتكاب فاحشة أو شرب مسكر أو تعاطي مخدرات...الخ، وهنا لا نحتاج إلى القيام بدراسات مشابهة، فهذه النتائج هي نفسها والخدمات التي يقدمها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هي نفس تلك الخدمات التي يقدمها أولئك الغربيون لمجتمعاتهم وهي إنقاذ المنحرفين من شر أنفسهم ومساعدتهم للتخلي عن جرائمهم بالحسنى وباللطف وبالطرق المناسبة لكل شخص.
وهنا ينبغي علينا أن نستشعر هذه الشعيرة وأن نعين الآخرين ونساعدهم ونتوجه إليهم بإعطائهم الفرصة لمعرفة الخطأ الذي يقعون فيه والأثم الذي يرتكبونه ونؤازرهم بالنصح والتوجه والإرشاد وعلينا تشجيع المجتمع للقيام بدوره الشرعي والتعبير عن الشعور تجاه ما يُرى من أخطاء وأن يكون لهم دور في التوجيه والنصح وذلك منعاً لتراكم الشعور بالعجز والشعور بعدم قيامه بما يجب عليه وشعوره بالكبت والقيود الاجتماعية أو العائلية التي قد تجعل البعض يسكت على الأخطاء ولا يعبر عن رفضه لها وشعوره اتجاهها ثم يصاب ببعض الآثار النفسية والمرضية تبعاً لذلك، بل إن تربية الأبناء على السكوت وكبت المشاعر يجعل الطفل يتحمل ويتحمل ثم ينفجر ويعبر عن شعوره السابق بطريقه غير لائقة وغير شرعية ويتطرّف بآرائه سواء الإجابية السليمة أو الانحرافية الخاطئة..