متطرف في شخصيته، عندما يكون بين أقاربه أو زملائه له شخصية معينة، وعندما يكون بين يدي بعض المسؤولين ممن هم أعلى منه تكون شخصيته الأخرى، والذي يعرفه يستغرب من تلونه، ولولا ثقته بنفسه، ومعرفته لصحة عقله لاتهم نفسه وعقله بالجنون، حيث لا أحد يصدق أن هذا الذي لا تفارق الابتسامة محياه، والنكتة منطقه، والدعابة كلماته، ويستمع وينصت بشدة لكل حديث يسمعه، عندما يكون عند من هو أعلى مكانة منه، أنه نفسه هو ذلك صاحب الوجه العبوس، والجبين المقطب، واللهجة الشديدة، والمعاملة القاسية، الذي كلمته - حتى ولو كانت غير ذات قيمة - لا تنزل على الأرض كما يقول بلسان حاله ومقاله، والويل لمن خالفه أو فعل شيئا ينافي إرادته ممن هم أقل مكانة منه من الموظفين الذين هم تحت يده، أو من أولئك الذين لا تتجاوز رواتبهم ربع راتبه، ولا تبلغ مؤهلاتهم أدنى مؤهل له من أقاربه، لأنه ينظر لنفسه عند هؤلاء بمنظار وعند أولئك بمنظار آخر، فيتعامل مع غيره حسب نظراته إلى نفسه، فكلما عظمت نفسه بنفسه احتقر غيره، وهذا والعياذ بالله من الكبر الذي أخرج إبليس من الجنة، يقع فيه بعض الناس وهم لا يشعرون، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منه، كما في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال؛ الكبر بطر الحق وغمط الناس) أي عدم قبول الحق واحتقار الناس، وما أكثر الذين يقعون في ذلك، منهم:
- الابن الذي غرته شهادته، وخدعه منصبه، فصار يحتقر آراء والده، ولا يسمع كلامه ويخالف أمره، لأنه يراه - كما يقول أحدهم - عودا جاهلا. فيكون عاقا يخشى عليه من عدم دخول الجنة، وقد يكون ملعوناً - والعياذ بالله - مطرودا من رحمة الله بسبب تكبره على والده.
- المرأة التي خدعتها وظيفتها وغرتها أرصدتها، فصارت تمن على زوجها، وقد تحتقره لفقره وحاجته، هي من المتكبرين، وحرام عليها الجنة إذا ماتت وزوجها عليها ساخط.
- الرجل الذي يحتقر زوجته، ولا يراها شيئاً لأنها امرأة، فيعاملها باحتقار، ويسفه آراءها، ويقلل من شأنها، وما هي عنده إلا كأنها قطعة أثاث في بيته، فقط لأنها امرأة، فهو من المتكبرين، وهذا هو غمط الناس كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
- المدير، أو الرئيس، الذي - كما يقولون - يركب رأسه، وينظر إلى من تحت يده نظرة فوقية، فيها استعلاء واستعباد، لأنه المدير، لا يسمع لنصيحة ناصح، ولا يستجيب لموعظة واعظ، ولا يصغي لتوجيه موجه، فهو من المتكبرين.
- طالب العلم، أو الشاب الملتزم - كما يقولون - الذي ينتظر الناس يقدمون حذاءه، ويقبلون رأسه، ويحنون ظهورهم تبجيلا له، وينادونه بصاحب الفضيلة، من المتكبرين!
- الرجل العامي، الذي لا يعرف كوعه من بوعه، ويقدم على أشياء منكرة، وأمور محرمة، لأنه لا يريد أن يسأل عنها فيتبين جهله، هذا هو من المتكبرين.
- الذي يحتقر الناس من أجل ألوانهم أو بلدانهم أو قبائلهم ويلمزهم بشعره - كما في بعض القنوات - يقع بالكبر ويخشى عليه من النار.
ولعلي أذكر حادثتين حدثتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أختم بهما، والحر تكفيه الإشارة:
*** الأولى:
يقول أبي كعب رضي الله عنه: تفاخر رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما للآخر: أنا فلان ابن فلان، حتى عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (افتخر رجلان عند موسى عليه السلام، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام؛ قل للذي افتخر: بل التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم).
*** الثانية:
روي أن رجلاً ذكر بخير للنبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل ذات يوم، فقالوا: يا رسول الله هذا الذي ذكرناه لك. فقال صلى الله عليه وسلم: (إني أرى في وجهه سفعة من الشيطان) فسلم الرجل، ووقف عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي: (أسألك بالله، حدثتك نفسك أن ليس في القوم أفضل منك؟) قال الرجل: اللهم نعم.
حائل، ص.ب 3998