مع اشتداد الحملة التي تقودها الصين وروسيا والبرازيل لإدخال عملة احتياط عالمية جديدة بدلاً من الدولار خلال السنوات القادمة وبرز ذلك قبل قمة الثماني التي كان يتوقع لها أن تكون قمة الدولار انتظر الجميع رد فعل أمريكا بهذا الصدد خصوصاً أن ظروف الاقتصاد العالمي والأمريكي بشكل خاص لا تسمح بحرية الحركة لهم كما في السابق، فاليوم اقتصاد أمريكا لا يشكل سوى قرابة 20 بالمئة من اقتصاد العالم بينما بدأت الصين تستحوذ على حصة مهمة قادتها لتتبوأ المركز الثاني بقرابة 10 بالمئة حالياً.
ويبدو أن جولة وزير الخزانة التي بدأها من منطقة الخليج كونها الشريك الأهم بسبب استحواذها على جزء كبير من إنتاج النفط بالعالم المسعر بالدولار وتستثمر جزءاً كبيراً من فوائضها المالية بأذونات الخزينة الأمريكية ليدعم موقف الدولار كعملة وحيدة تسعر بها السلع الأهم بالعالم وبالوقت ذاته فإن دول الخليج لها مصلحة كبيرة بإبقاء الدولار كعملة احتياط عالمية لأن ذلك أوجد استقراراً نقدياً لديها وبالتالي اقتصادياً خصوصاً أننا في دول الخليج نعيش مرحلة نهوض اقتصادي لتنويع مصادر الدخل واستثمار الفوائض المالية بالبنى التحتية والمشاريع التنموية، وهذا يتطلب استقراراً نقدياً حتى تستطيع السياسة المالية التوسعية تحقيق أهدافها بدقة تقدير المبالغ المعتمدة للإنفاق العام.
ومن هنا تأتي أهمية النظر لتحرك الوزير جايتنر التي سيتابعها بدول أخرى خصوصاً أن دولاً اقتصادية كبرى كاليابان تؤيد بقاء الدولار كعملة احتياط وحيدة بالعالم نظراً لأثره في صادراتها، وإذا كانت الدول التي تطالب باعتماد عملة أخرى ترى أن الأزمة المالية العالمية ولدت فرصة لها لمثل هذا الحراك القوي فإن موقف أمريكا لن يكون مهادناً بذلك، فهي بدأت فعلياً حملة مضادة لذلك تعتمد فيها على قدرة الاقتصاد الأمريكي على تجاوز الأزمة الحالية مبرهنة ذلك بخطة إنقاذ ضخمة تقوم بتنفيذها بخلاف جملة من الإصلاحات التي أدخلتها بالنظام المصرفي.
وما دعا أمريكا إلى هذا التحرك وصول العجز بميزانيتها لقرابة 1000 مليار دولار مما يعطي انعكاساً سلبياً على مستقبل الدولار على الأقل بالأجل المتوسط حتى تعود عجلة النمو الاقتصادي للدوران وبعدها تُعطى الأولية لتخفيض الدين العام وتقليص العجز بالميزانية وبالتالي لابد من بث الطمأنينة خلال هذه المرحلة على مستقبل الدولار خصوصاً أنها انتقت الأطراف الأكثر استفادة من بقاء الدولار كعملة احتياط عالمية ومن خلال بقائه كوحدة تسعير دولية لكل السلع خصوصاً النفط.
وبالمقابل أراد جايتنر أن يطمئن مجتمع الأعمال لدينا بأن سياسة الدولار القوي استراتيجية ثابتة لن تتغير لديهم مما يعني بقاء الجاذبية للاستثمار بأمريكا قاعدة ثابتة لكل من يوزع استثماراته عالمياً، فمعروف أن الدولار الضعيف يساهم بزيادة صادرات أمريكا ولكن الدولار القوي يجذب المستثمرين لسوقها.
ومن هنا نجد أن اجتماعاته مع رجال الأعمال بالمملكة وكذلك الإمارات كانت تصب في إبقاء الأبواب مفتوحة أمامهم للاستثمار مجدداً بالسوق الأمريكي بخلاف توضيح الصورة عن الاقتصاد الأمريكي للمسؤولين عن السياسة النقدية والمالية بدول المنطقة ولا ننسى أن أمريكا أطلقت مشروعاً للشراكة الاقتصادية في عهد الرئيس السابق جورج بوش بدأته بتوقيع اتفاقية مع مملكة البحرين قبل عدة سنوات وتسعى لإنجاز هذا المشروع قبل العام 2013م.
كما أن الاقتصاديين الأمريكيين يرددون بين فترة وأخرى ضرورة إقرار خطة إنقاذ ثانية لأنه بحسب رأيهم الخطة الأولى لا تكفي ولكنه ضمنياً إقرار بأنها أساس ناجح للخلاص من الأزمة بينما يرى فريق أوباما الاقتصادي بأن الخطة الحالية جيدة ولن يظهر أثرها سريعاً فهي تحتاج إلى أكثر من عام ولكن لا ننسى أن مستوى العجز بالميزانية والدين العام أيضاً سيقلل من فرص إقرار خطط ثانية مما يعني التحوط لذلك بفتح باب الاستثمار بأمريكا حتى يكون ذلك بمثابة دعم آخر أو خطة موازية لإنقاذ قطاعات أخرى غير التي تم التركيز عليها كونها شركات ممتازة ولكنها تحتاج إلى سيولة فقط بينما تكفلت الحكومة الأمريكية بأكثر القطاعات تضرراً.
يبدو أن جايتنر يقود حملة الدفاع عن الدولار في المرحلة الحالية من خلال جولات مكثفة يتم فيها التنسيق والتشاور والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة من كل الشركاء الأهم اقتصادياً لأمريكا ولكن إلى أي مدى تستطيع الحكومة الأمريكية تحمل الضغط الاقتصادي الداخلي والسباق الدولي على الريادة العالمية للاقتصاد من الدول التي يبدو أنها ترى نفسها في مرحلة لن تتكرر لها لاعتلاء عرش الاقتصاد العالمي خلال العقود القادمة.
mfaangari@yahoo.com