لم تعد المليارات المنفقة في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين تُشكّل خبراً غير مألوف لغالبية المواطنين، فعجلة التنمية الصناعية والمدنية لا تتوقف فيهما عن الدوران..
ويندر أن يمر عام لا يتخلله حفل لوضع حجر أساس أو تدشين مشروعات تنموية يقف خلفها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
بكل همّة ونشاط.. وعلى العكس من ذلك تلاحظ الدهشة وقد ارتسمت على وجوه ضيوف الهيئة الملكية للجبيل وينبع لحجم الاستثمارات المنفقة ونوعية المشروعات المقامة على تلكما المدينتين الصناعيتين، خصوصاً والعالم لم يخرج بعد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
أكثر من 45 مليار ريال هو حجم الاستثمارات التي دشنها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مدينة ينبع الصناعية، وكان قد دشن في أبريل الماضي مشروعات تنموية في مدينة الجبيل الصناعية بتكلفة إجمالية ناهزت 54 مليار ريال.. ما يميز مشروعات مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين أنها تركز على قطاع الإنتاج، القطاع الأكثر حاجة للتنمية والمتابعة لما يحققه من نتائج إيجابية على الاقتصاد بشكل عام.
أترك الجانب المالي، الذي يبدو أننا اعتدنا على أرقامه المهولة فأصبحنا نتعامل معه ببساطة لا تتناسب مع حجمه الضخم، وأنتقل إلى الجانب (الإنساني الفكري) الذي يسيطر على سكنات وحركات مشروعات التنمية في المدينتين الصناعيتين.
الجانب (الإنساني الفكري) الأهم يتمثل في شخصية الملك عبدالله بن عبدالعزيز الآسرة لكل من يدنو منها أو يتابعها عن بُعد.. يتعامل الملك عبدالله بإنسانية متناهية مع مشروعات التنمية ويركز كثيراً على المردود التنموي الذي يمكن أن يساعد في رفاهية المواطن ورفعة المجتمع.. لا يتردد في إقرار الميزانيات الضخمة لمشروعات تنموية متنوعة، طالما أنها تخدم الوطن والمواطنين.. لا يقف عند حدود (البروتوكولات الرسمية).. ولا يعترف بفصل المشروعات بحسب تبعيتها الإدارية، بل يبادر في تقديمها طالما أنها تمثل بشرى للمواطنين، وإن لم تكن ضمن فقرات احتفالات التدشين، فحفله الحقيقي يكمن في إدخال السرور على نفوس المواطنين.. أزمة المياه، والكهرباء كانت حاضرة في حفل تدشين مشروعات الهيئة الملكية للجبيل وينبع، حيث سارع وزير المياه والكهرباء المهندس عبد الله بن عبد الرحمن الحصين بالإعلان عن صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين، على إنشاء مشروع موحد لتحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية بطاقة مقدارها 550 ألف متر مكعب من المياه و 1700 ميجاوات من الكهرباء لتلبية الاحتياجات المستقبلية للمدينة المنورة وبعض مدن وقرى المنطقة ولمقابلة احتياجات شركتي مرافق والشركة السعودية للكهرباء بتكلفة تقديرية تبلغ 14 مليار ريال.
فكر الملك عبدالله التنموي بات واضحاً في ما تجده مناطق المملكة من مشروعات تنموية متخصصة، وتركيزه على قطاعي التعليم والتقنية، وإنشاء الجامعات، كجامعة الملك عبدالله، وإصراره على إنجاز مشروع (تقنية النانو) الإستراتيجي.. العالم البريطاني البروفيسور نضال هلال، وصف الملك عبدالله بأنه أول رئيس دولة في العالم يولي أهمية بالغة بعلم تقنية النانو وتطبيقاتها في تحلية المياه خدمة للإنسانية.
وذكر في كتابه (أن اهتمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز بهذا العلم هو تقدير منه للعلم والعلماء ولرؤيته الثاقبة في الاستفادة من التطبيقات الحديثة في العالم من أجل الوصول بالمملكة العربية السعودية إلى مصاف الدول الأكثر تقدماً في استخدامات تقنية النانو في مجالات التنمية).
مؤخراً بدا واضحاً إسناد تنفيذ بعض المشروعات لمؤسسات حكومية، وشبه حكومية عطفاً على خبرتها الواسعة وكفاءتها في إنجاز المشروعات حسب المواصفات العالمية، في زمن محدد، وبتكلفة متوازنة. سياسة الانعتاق من تبعية تنفيذ المشروعات للوزارات المستفيدة ربما يؤسس لنهج جديد يساعد على تلافي إشكالات تأخير المشروعات، واختلال منهجية التقييم، والمواصفات المطلوبة التي يمكن أن تضمن الزيادة في عمر المشروعات الافتراضي أسوة بالمشروعات العالمية.
الجانب (الإنساني الفكري) يبدو جلياً أيضاً في الهيئة الملكية للجبيل وينبع، المنشأة التي أثبتت خلال عمرها القصير أنها الجهة الحكومية الأكثر تحقيقاً لمنفعة الميزانيات الضخمة التي خصصت لها.. بمقارنة بسيطة، نجد أن الهيئة الملكية للجبيل وينبع نجحت في تحويل الإنفاق التنموي إلى استثمارات ضخمة تدر على الدولة مليارات الريالات، في الوقت الذي تعاني فيه بعض الجهات الحكومية من قصور في توجيه المخصصات لتنفيذ مشروعاتها المُقرة في وقتها المحدد، وبحسب المواصفات!. ذكرت في مقالات سابقة أن الهيئة الملكية للجبيل وينبع أشبه ما تكون بمنشأة ضخمة يمكن أن يُطلق على إداراتها مسمى (وزارات مصغرة) تُعنى بالتعليم، الصحة، الطرق، المياه والكهرباء، الثقافة والإعلام، والخدمات البلدية وغيرها مما يهم محيطها الجغرافي.
عنت الهيئة الملكية بالإنسان فوازنت بين تنمية المناطق الصناعية وإنجاز البنية التحتية الجاذبة للاستثمارات الصناعية الضخمة، والتنمية الفكرية المعيشية.. مدينة واحدة تضم أكثر من خمس كليات متخصصة للبنين والبنات، ومدارس متقدمة تتساوى في تقنيتها مع المدارس العالمية الحديثة، ومرافق عامة، ونوادٍ رياضية واجتماعية وثقافية.. أسلوب إدارة فريد، وفكر تنموي استثماري، وكفاءة عالية في إنجاز المشروعات بحسب المواصفات العالمية والتكلفة المعقولة ما يحقق المنفعة الكلية من كل قرش حكومي ينفق في التنمية.. مدينة حديثة تزهو بحضارتها وتبرهن على أن المال وحده لا يصنع المعجزات بل الفكر والإدارة أولاً.. ومن ثم المال، وقبل كل ذلك توفيق الله وبركته.
ويشير الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان آل سعود، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع إلى (أن الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية في المملكة قد مكَّن من توفير بيئة ملائمة لقيام المدن الاقتصادية والجامعية وغيرها من المشاريع العملاقة المنتشرة في أنحاء الوطن).. الاستثمار الأمثل للموارد هو ما مكَّن الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وبعض المنشآت الحكومية، من تحقيق الأهداف الإستراتيجية البعيدة.
(دفة في يد أمينة.. اقتصاد على شاطئ الأمان).. هو عنوان اللوحة الفلكلورية التي قدمتها مجموعة من أطفال ينبع، احتفاء بالمليك وضيفه الكريم الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وهو عنوان عبَّر بوضوح عن المرحلة المزدهرة التي تعيشها المملكة برغم الأزمة الاقتصادية العالمية.. لا يمكن للاقتصاد أن يأمن بوائق الزمن، وأن يصل إلى شاطئ الأمان دون أن تمسك بدفته يدٌ أمينة (تسابق الزمن لتنمية الوطن) وتحافظ على موارده المالية وتوجهها التوجيه الأمثل لخدمة الوطن والمواطنين.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM