د. حسن الشقطي
تأثراً بالنتائج الإيجابية لبعض المصارف الكبرى وبصعود مؤشر الداو الأمريكي، تمكّن مؤشر سوق الأسهم السعودي من الإغلاق هذا الأسبوع على ربحية 219 نقطة، ليعطي بوادر لارتداد قوي وليتحرك في مسار صاعد جديد يحرزه في ضوء حالة التفاؤل بمعطيات التحسُّن في البورصات العالمية وسوق النفط.. وإذا كانت النتائج الإيجابية للمصارف قد حسنت من معنويات المتداولين وزادت من درجة ثقتهم بالسوق، فإن حالة القلق المصاحب لترقب إعلان نتائج سابك لا تزال هي المحدد الرئيس لحركة المؤشر العام خلال الأسبوع المقبل. وقد سجلت السيولة المتداولة هذا الأسبوع قاعاً جديدًا غادرته منذ بداية إبريل الماضي ليصل حجم السيولة اليومية المتداولة السبت الماضي إلى حوالي 3.3 مليار ريال، وهي قيمة متدنية جداً تعبر عن حالة إحجام عن التداول.
البورصات الأمريكية تقود بورصات الخليج بقوة.. لماذا؟
سجلت معظم بورصات الخليج ارتفاعات حادة يوم الاثنين الماضي، وذلك ليس نتيجة معلومات إيجابية عن الأوضاع المالية لشركاتها الوطنية، ولكن فقط تأثراً بالارتفاع القوي الذي سجله مؤشر الداو الأمريكي.. إلا أن كل ارتفاع تأثر بالداو يقود هذه البورصات إلى مزيد من الاضطراب؛ لأن هذا الارتفاع لا يكون مدعوماً بأي محفزات إيجابية للبورصات الخليجية، خاصة إذا سجل الداو نفسه تراجعاً.. وعليه، فإن التأثر بمؤشر الداو أصبح أحد أبرز مسببات التذبذب في أسواق الخليج، بشكل بات يؤثر على جاذبيتها الاستثمارية.. ولكن لماذا هذا التأثر الكبير بالبورصات الأمريكية؟ إنه لسبب بسيط للغاية هو وفرة المعلومات ذات المصداقية سواء بتقارير أو تصريحات رسمية أو غيرها في الاقتصاد الأمريكي، التي تؤثر بقوة على مسارات البورصات العالمية ككل، وفي المقابل فإن حجم المعلومات المتدفقة من تقارير موثوق فيها أو تصريحات رسمية في دول الخليج يعتبر شحيحا للغاية، ومن ثم فإن المتداولين يتمسكون نفسياً بمعلومات متاحة من الخارج.
نتائج المصارف.. إيجابية وغير متوقعة
أعلنت غالبية المصارف المحلية نتائج أعمالها، التي جاءت متفاوتة بشكل كبير.. حيث أعلن كل من الجزيرة والراجحي وسامبا والرياض تحقيقها صافي أرباح للربع الثاني يفوق صافي أرباحها للربع الثاني من العام السابق بنسب نمو متفاوتة.. بلغت أعلاها للجزيرة بنسبة ارتفاع 21%، وللراجحي بنسبة ارتفاع 1.7%، ولسامبا بنسبة 1.6%، ثم للرياض بنسبة 1.3%. وباستثناء بنك سامبا، فإن هذه المصارف الثلاثة قد أحرزت وبشكل غير متوقع زيادات في صافي أرباحها عنها للربع الأول من هذا العام وبنسب كبيرة.. فقد نمت أرباح الرياض لهذا الربع عن الربع السابق بنسبة 108%، ونمت أرباح الجزيرة بنسبة 18%، في حين نمت أرباح الراجحي بنسبة 2.3%.. أي أن هذه المصارف الثلاثة تحسنت نتائج أعمالها مقارنة بالربع السابق من هذا العام، وأيضا تحسنت مقارنة بالربع المماثل من العام الماضى.. أما بنوك الفرنسي وساب والاستثمار والانماء، فقد أحرزت تراجعًا في صافي أرباحها عن الربع المماثل من العام السابق بنسب 10.6% و15% و33% و38% على الترتيب.. وإذا كان مصرف الإنماء لا يزال في مراحل تشغيله الأولى، ولا يعتد كثيراً بنتائج أعماله حالياً، فإن البنوك الثلاثة الأخرى تثير مخاوف من أن يكون للأزمة المالية تداعيات سلبية على أوضاعها المالية أو على الأقل أنها تعرضت لخسائر جراء تعثر مجموعتي سعد والقصيبي. إلا أنه بوجه عام فإن القلق من تأثير نتائج المصارف على سوق الأسهم قد أزيل جزئياً بإعلان تحقيق سهمي الراجحي وسامبا زيادة في صافي أرباحهما كأسهم مؤثرة وقائدة لمؤشر السوق.
نتائج البتروكيماويات.. مخاوف من تراجعات جديدة
إذا كانت نتائج المصارف تحث على التفاؤل بتحسن نفسية المتداولين في السوق، فإن النتائج المعلنة للشركات الأربع من قطاع البتروكيماويات لا تحث على ذات التفاؤل؛ حيث أشارت نتائج سافكو إلى تحقيقها تراجعاً في صافي أرباحها للربع الحالي عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة 60%، وكذلك كيمانول أشارت إلى تراجع بنسبة 25%، أيضًا المجموعة السعودية توقعت تراجعاً لأرباح النصف الأول عن النصف المماثل من العام السابق بنسبة 92.2%.. إلا أنه مع ذلك، فإن هناك بوادر تحسن في أوضاع شركات البتروكيماويات عن الربع الأول من عام 2009 الذي سجلت فيه تراجعات أكثر حدة.. أي أنه رغم أن هذه الشركات تسجل تراجعًا في أرباحها مقارنة بالربع الثاني من عام 2008، إلا أنها تسجل في نفس الوقت بعض التحسُّن عن نتائجها للربع الأول، وذلك بالطبع تأثرًا بالارتفاعات التي سجلها السعر العالمي للنفط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
صعود سابك هذا الأسبوع.. هو صعود استبقائي لنتائج أعمالها
أغلق سهم سابك هذا الأسبوع على صعود قوي ربح خلاله 12%، ووصلت قيمة السيولة المتداولة في السهم إلى حوالي 3.2 مليار ريال، أو ما يعادل 15% من إجمالي السيولة المتداولة في السوق.. هذا في الوقت الذي تشير فيه إعلانات نتائج شركات البتروكيماويات (باستثناء الكيمائية) إلى عدم وجود تحسن كبير في نتائج أعمالها.. أي أن النتائج المتوقعة لسابك قد لا تكون بقدر الرضا المطلوب للمتداولين.. ومع كل ذلك، فإن السهم حقق صعودًا قوياً هذا الأسبوع، وبالطبع يعتبر ذلك صعودًا استباقياً لأهداف مضاربية نتيجة سعى كبار المضاربين لاستغلال فترة الجدل حول نتائج سابك في تحقيق أعلى أرباح ممكنة.. لذلك، فلا يوجد ما يضمن استمرار هذا الصعود خاصة خلال الأسبوع التالي لإعلان نتائج أعمال الشركة كما اعتدنا أن يحدث بعد كل إعلان نتائج ربعية.
عودة التحليلات الفنية المغررة من جديد
ما إن يحدث صعود أو حتى بداية مع بداية مسار صاعد.. حتى يخرج إلينا من التحليل الفني استنتاجات غريبة الشكل والمضمون بأن هذا المسار سيستمر حتى 14 يوماً، ويمكن أن يمتد إلى 37 يومًا، وأن هذا الأمر مرتبط بالتحليل الأساسي وأن التصحيح انتهى.. إلا أن كل ذلك هو نوع من التأويل المتعمد من جانب أطراف غارقة في أسهم معينة وترى أنه لا سبيل سوى قيادة القطيع للدخول في أي أسهم في السوق.. فببساطة حتى رغم النتائج المبشرة لبعض المصارف الكبرى، وحتى رغم قوة وصلابة الوضع الاقتصادي الداخلي، إلا أن سوق الأسهم ما زال يعاني أوضاعاً سلبية تتصف بأنها ذات مدى زمني من متوسط إلى بعيد.. ولا نستطيع القول بانتهاء أزمة السوق إلا بعد استقرار أوضاع الاقتصادات الأمريكية والأوروبية المضطربة من جراء الأزمة المالية العالمية، ومن ثم انتهاء المخاوف من شبح الركود الاقتصادي، واستقرار الأسعار العالمية للنفط.. بعد حدوث هذه الثلاثة يمكن بعدها الحديث عن كيفية استجابة سوق الأسهم المحلي للأوضاع المحلية للاقتصاد الوطني.. ونذكر بأن التحليل الفني علم معترف به ولكن لا بد أن تتوافر له العديد من الظروف حتى يمكن الثقة في تنبؤاته، وبعض من هذه الظروف تعتبر حالياً غير متاحة.
* محلل اقتصادي
Hassan124369@hotmail.com