طرح هذا السؤال وبيَّن مضامينه وشخَّص أبعاده وحلَّل وفصَّل فيه صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز نائب أمير منطقة حائل في ثنايا حديثه لأسرة جامعة حائل، التي شرفت يوم الاثنين الماضي 27-7-1430هـ بزيارة سموه في مكتبه بالإمارة، وإطلاعه على منجزات الجامعة وخططها المستقبلية، وقد جاء هذا التساؤل المهم والتفصيل الممتع والمقنع بعد أن تحدث معالي مدير الجامعة عن دعم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني للتعليم العالي ومتابعتهم الدائمة لخطواته التي وصفها بالمتميزة والسريعة قياساً بالعمر الزمني للتعليم في المملكة العربية السعودية بل وفي الوطن العربي عموماً، إن تجربة تطوير التعليم العالي في عهد خادم الحرمين الشريفين تجربة رائدة عالمياً وتستحق الوقوف عندها طويلاً والتأمل في مضامينها وأبرز معالمها من قبل المؤرخين والمراقبين لحركات النهوض والبناء في المجتمعات الإنسانية، وجامعة حائل عنوان فرعي جديد من تلك العناوين المهمة علمياً وفكرياً واقتصادياً واجتماعياً والمنتشرة في مناطق المملكة المختلفة التي تنتظم تحت مظلة وزارة التعليم العالي، وتحظى هذه الجامعة الناشئة بالمتابعة الدائمة من سمو أمير المنطقة وسموكم الكريم ومعالي الوزير وهي بحمد الله عنوان مشرف ومتميز وله مكانته الخاصة التي وصل إليها باقتدار ونتيجة تكاتف جهود العاملين فيها والمنتمين إليها، والشواهد على هذا كثيرة ومتعددة يتحدث عنها ويتكلم فيها المجتمع العلمي والمحلي. كان هذا هو المنطلق للدخول إلى حوار موسع وحديث مستفيض حول التعليم العالي ودوره في تحقيق التميز النوعي المنشود في بلادنا المعطاء، نعم هناك إرادة سياسية قوية للنهوض بجميع قطاعات الدولة وعلى رأسها التعليم عموما والعالي على وجه الخصوص، هناك متابعة وتحفيز من قبل معالي وزير التعليم العالي، من قبل أمراء المناطق ونوابهم ولكن كل هذا يضيع أدراج الرياح إذا لم يواكبه جهد مضاعف من قبل العاملين في الميدان التعليمي وعلى رأسهم أساتذة الجامعات، فهم من يبلور الرؤى ويحول إرادة القيادة الصادقة إلى واقع تحياه الشعوب وينعم به الجيل، ومتى ما تقاعس رجال الفكر والعلماء والباحثون عن القيام بدورهم فقد نورث لمن بعدنا تركة لا يحسدون عليها، لقد كان التحدي المطروح في السابق أخف بكثير مما هو عليه اليوم ودور عضو هيئة التدريس دور قيادي وعلى يده سيولد التميز النوعي الذي يتطلع له الجميع ويخطط من أجل الوصول إليه الساسة والمنظرون، إن الرقم الصعب في أي نهضة يراد لها أن تكون هم قادة الرأي وبناة الفكر وأصحاب النظريات ومنظرو التنمية وهؤلاء يوجدون غالباً في قاعات التدريس وداخل أسوار الجامعات، ولو سأل أي منا نفسه: ترى بماذا نتميز اليوم أفراداً ومجتمعاً؟، وما هي المؤهلات التي بها سيتحقق لنا الاستخلاف في الأرض؟ وبماذا سادت الأمم ونهضة وتقدمت؟، النفط ليس مزية دائمة وجزماً سينضب يوماً ما، أو قد ينشط العقل البشري ويكتشف من البدائل ما يقلل أهميته، والحرمان منّة من الله نشرف بخدمتها وحمايتها والقيام عليها ومسؤولينا نحوها توجب علينا التميز النوعي الذي نتحدث عنه، والدين نعمة وفضل من العزيز الحكيم وهو من يطلبنا بأن نكون قادة العالم ورواده، إننا بحاجة إلى عناوين وطنية تتحرك على الأرض ليست جامدة ثابتة كبوابة ومباني جامعاتنا الشامخة، طبيب متميز يجعل الناس يقطعون المسافات الطويلة من أجله، وعالم فذ يقود بلاده إلى مصاف التميز والريادة ومستشفى مشهور يغير معالم قرية صغيرة لتصبح مزاراً عالمياً، وبحثاً علمياً متخصص يغير حركة التاريخ، وعقلاً بشرياً متفتقاً يوظف خلفه آلاف العقول وملايين البشر و... المراهنة اليوم والتحدي القائم (نكون أو لا نكون)، وميدان المنازلة (العقل)، والجامعات هي باختصار من تقع عليه مسؤولية بناء العقول بعيداً عن التطرف والانفلات وتوظيفها التوظيف الأمثل لخدمة الأهداف السامية التي يتوخاها القادة وتتمناها الشعوب ويتطلع لها الجيل القادم والمسؤولية الدينية والوطنية توجب على عضو هيئة التدريس أن ينتقل من دائرة الفروض إلى السنن، ليس ليجبر ما شاب الفرد من خلل ونقص فحسب بل ليعزز وجوده الحقيقي في جسم المجتمع ووسط الجماهير وبين الطبقات الشعبية البسيطة، إن من الحكمة ألاّ نلعن الظلام أو نتهاون ونتقاعس ونتواكل ونتشاءم ونتصارع ونتحاسد نحن بناة العقول وقادة التعليم ورود الفكر، ولكن أن نشعل شمعة ونحرك إرادة ونبعث عقلا وننقذ جيلا ونراهن على مستقبل ونحمى وطنا ونحفظ تراثا ونقدم كل شيء من أجل هذا الكيان العزيز المملكة العربية السعودية ودمت عزيزاً يا وطني.