يقال: إن الإنسان بدأ يدون ويخط ويرسم ما يدور في فكره ومخيلته من أفكار وما يراه بعينه من مظاهر طبيعية وكونية. وقد بدأ فلاسفة اليونان بطرح آرائهم الفلسفية حول الكون والآلهة والوجود والإنسان وماهيته.. وغير ذلك منذ القرن السادس قبل الميلاد.
أما الديانة اليهودية المكتوبة فيقال إنها ظهرت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد النبي موسى -والله أعلم-. وظهرت الديانة المسيحية على يد النبي عيسى في القرن الميلادي الأول. أما دين الإسلام الحنيف فقد بدأ للظهور على يد رسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في نهاية العقد الثاني للقرن السابع الميلادي. ودخلت الديانة المسيحية إلى القارة الأوروبية في العقد السادس من القرن الميلادي الأول. ونتج عن ذلك تكون ثلاث حضارات رئيسية؛ حضارة يونانية اغريقية، وحضارة رومانية، وحضارة عربية إسلامية، وكان تكون الحضارة اليونانية يعتمد على آراء وأقوال وأطروحات كثير من فلاسفة اليونان ومن أشهر هؤلاء الفلاسفة سقراط المولود في سنة 470 ق.م. والمتوفى بشرب السم في سنة 339 ق.م. والثاني أفلاطون المولود في سنة 428أو 427 ق.م والمتوفى 348 أو 347 ق.م والثالث أرسطو طاليس المولود في سنة 384ق.م والمتوفى في سنة 322 ق.م ويعتبر أرسطو طاليس أعظم وأشهر فلاسفة الأغريق وهو الذي دعاه في سنة 343 ق.م فيليب المقدوني إلى بلاطه في مقدونيا ليكون مربياً لابنه الأسكندر. وبعد تولي الاسكندر المقدوني العرش تركه أرسطو. والأسكندر هذا هو الذي غزا الشرق وهزم الفرس واستمر في غزواته في بلاد آسيوية عدة وهو الذي بنى الاسكندرية وكانت وفاته في سنة 323ق.م. ولم يعرف قبره حتى الآن... وبعد ذلك قامت الحضارة الرومانية في أوروبا ثم توسعت إلى الشرق فاستحلت مناطق ممتدة من تركيا وحتى الشمال الأفريقي وبعد وفاة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ببضع سنين وفي عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه تم للعرب المسلمين القضاء على الأمبراطوريتين الفارسية والرومانية الشرقية - البيزنطية -... ثم امتدت الفتوحات والحضارة العربية من حدود الصين شرقاً إلى حدود فرنسا في القارة الأوروبية... وبعد عدة قرون من توهج الحضارة العربية الإسلامية بدأت بالانحسار ففقد العرب الأندلس ثم بدأ الاحتلال الغربي للأرض العربية من قبل الأسبان والبرتغاليين والأنجليز والفرنسيين، ويعتبر الاستعمار الإنجليزي الفرنسي أخطر استعمار، حيث قام هذان الاستعماران بتفتيت العالم العربي إلى دويلات، والأخطر من ذلك هو قيام الإنجليز بالمساعدة على إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية وبإنشائها تم فصل المشرق العربي عن المغرب العربي..
يوجد في أيامنا هذه من المثقفين والعلمانيين العرب في مختلف البلاد العربية من هو معجب ومنبهر بالفلسفة اليونانية، ويعتقد أنها هي الأساس فيما وصل إليه الغرب من تقدم علمي وتقني وصناعي وعسكري وما وصل إليه الفرد من حرية وقيمة إنسانية.. وغير ذلك.. أما الحضارة العربية الإسلامية ومثلها وأخلاقها وإبداعاتها عندهم فقد توقفت عند مقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وتحولت إلى حضارة حكم وتسلط، ومذاهب متناحرة، مع إهمال للجوانب العقلية والفكرية وبهذا حلت بها الكوارث والمحن فاستحلت الأوطان، ونهبت الثروات، وصار الإنسان العربي لا قيمة له، وغير ذلك من الأقوال التي لا طائل منها والتي هي في حقيقتها نوع من الجلد للذات وعنيف للنفس، وأن من يعتقد ذلك لم يأخذ بعين اعتباره أنه موت النبي الكريم وبعده الخلفاء الراشدين الأربعة دخل في الحضارة العربية الإسلامية الصراع البشري والتنافس العائلي والقبلي والطائفي والمذهبي، إضافة إلى الحقد الشعوبي الذي أصبح ينخر في جسد الأمة، ومع هذا فقد قامت خلافتان عربيتان إسلاميتان عظيمتان هما الخلافة الأموية وبعدها الخلافة العباسية وكان لهما بالغ الأثر في الفتوحات الإسلامية والتطور الإنساني في العلوم والمعرفة. ويخطئ من يعتقد ويظن أن الغرب وصل إلى ما وصل إليه من تقدم في ليلة وضحاها، بل إن الدول الأوروبية مرت بكوارث وصراعات دموية فيما بنيها، وهي لا تزال في هذا الصراع حتى أن دول أوروبا الغربية - وفي يومنا هذا- تحتقر دول أوروبا الشرقية، وتعتقد أنها أفضل منها عقلياً وعلمياً واجتماعياً، ولم تنفع الفلسفة الإغريقية في ذلك، وحتى أنها لم تنفع البلد الذي انبثقت منه. ومن المعروف أن شعوب أوروبا وحتى بعد دخول المسيحية إليها كانت توصم بالشعوب البربرية، ولم تتشكل أوروبا على هيئة قوميات ودول إلا في حوالي الألف الأول بعد الميلاد، ومع هذا فالحروب والقتل استمر فيما بينها وحتى في القرن العشرين بدأت الحربان العالميتان الأولى والثانية في أوروبا والتي وصل شرارها إلى دول أخرى في آسيا وأفريقيا، إضافة إلى ظهور النازية والشوفونية المبنية على الجنس والنوع والمستقاة من الفلسفة اليونانية. لقد قسم أفلاطون النفس إلى ثلاث قوى: الأولى منحطة، والثانية: قوة عالية نبيلة، ويتوسط بين هاتين القوتين قوة ثالثة تجمع بين كلتيهما.
فالقوة الأولى - على حسب رأيه - القوة الشريرة أو الشهوية، وهي صادرة عن الإحساسات والتي يسودها عنصر اللذة والألم بالمعنى الحسي الخالص، وهذه القوة موضعها البطن، وفوق هذه القوة، قوة الكبرياء أو توكيد النفس أو السيطرة أو محاولة السيادة على الآخر وهي ما يسمى بالقوة الغضبية وموضعها الصدر - القلب - وهذه القوة مرتبة في خدمة قوة عليا هي أعلى هذه القوى الثلاث، وهي مصدر العلم، وهي القوة العاقلة وموضعها الدماغ. وقسم أفلاطون الشعوب بحسب هذه النفوس أو الملكات. يقول: إن الناس ليسوا متساوين في إحرازهم لهذه القوى، فعند البعض تسيطر القوة العاقلة، وعند البعض الآخر تسيطر القوة الغضبة، وعند فريق ثالث تسيطر القوة الشهوية، وهذا الاختلاف ليس بين الناس فقط، بل أيضاً بين الأجناس والأمم. وفي رأي أفلاطون أن اليونانيين يمتازون بسيطرة القوة العاقلة على بقية القوى، وأن الشماليين - الأقوام في شمال أوروبا- يمتازون بسيادة القوة الغضبية، وأن الفينيقيين والمصريين يمتازون بسيادة القوة الشهوية. كما أن أفلاطون يقول إن الآباء يورثون أبناءهم ما لهم من صفات، وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كان هناك تأثير متبادل بين النفس والجسم..
نقول: لقد وضع بعض فلاسفة الغرب العرب واليهود في جنس واحد هو الجنس السامي -هذا هو على حد زعمهم- وهذا الجنس في أدنى سلم الأجناس البشرية أي أنه يفتقر إلى العقل والإبداع، وهذا قول من موروثات الفلسفة اليونانية. وهذا ينافي الحقيقة والواقع فعلينا أن ننظر ما فعله ويفعله الغرب مع دولة اليهود في فلسطين فقد أمدها ولا يزال يمدها بمختلف القوى العلمية والتقنية والمادية والعسكرية، ويحجبها عن الحرب، والذين هم واليهود - على حد زعمهم- من جنس واحد، إن موقف الغرب من العرب هو موقف منطلق عن حقد حضاري صميم، فالعرب بقوا في جنوب القارة الأوروبية لمدة ثمانية قرون وقبل هذا دمروا الإمبراطورية الرومانية البيزنطية ومعها الفارسية، وتصدوا للهجمات الصليبية وبعضهم لا يزال يقاوم الاستعمار الغربي والصهيوني. صحيح أن العرب في الوقت الحاضر في حالة من الضعف يرثى لها، ولكن هذا لا يمنع من أن ينهض العرب ويعيدون مجد حضارتهم وحضارة اليوم تأتي عن طريق العلم والمعرفة وامتلاك التقنية مثل ما فعلت الهند واليابان والصين (لم تذكرهم الفلسفة اليونانية) وهنا يأتي دور المثقف العاقل والذي عليه أن يطلع على فلسفات وثقافات الأمم المختلفة وكيف تنشأ وتضعف وتنهض الحضارات مرة أخرى ومن خلال اطلاعه هذا يبحث عن الأسباب التي أدت بأمته وحضارته إلى هذه الحالة ويتلمس الوسائل والطرق التي تؤدي بأمته إلى النهوض من كبوتها وإلى اللحاق بحضارة اليوم والمبنية على التقدم العلمي والاقتصادي والصناعي بدلاً من أن يصب جام غضبه وحقده وتحقيره لأمته وحضارته وأرومته؟.
المراجع:
د. عبدالرحمن بدوي (1984م) موسوعة الفلسفة