يتناول البعض في الصحافة مصطلح العلمانية ويسقطه البعض على الآخر، ويتناول في المجالس والمنتديات كذلك، أو يجري على الذكر أحياناً، فهل نعرفه ومن ثم نلم باستخدامه أو إسقاطه على أوضاع وحالات وربما على أفراد؟
والحركة العلمانية تعتبر من أهم الحركات الفكرية التي شهدها الغرب. ولا يقارن تأثيرها وقوّتها بأية حركة في العصور الوسطى، بل ولا في الحقب القديمة، وينفرد الغرب بسببها عن أي إقليم حضاري في أنحاء المعمورة. ويمكن أن ينعت (الغرب الحديث) باعتباره من منتجات الفكر العلماني، وهنالك من يهنئ الغرب عليها ومنهم من يعزيه بسببها.
وهنا، ما العلمانية ومن أين جاءت؟ ولم تطوّر المنظور العلماني للمجتمع في الحضارة الغربية ولم يتطوّر فيما سواها؟ ولربما فهم تاريخها وتطورها يساعد على فهم الناس لدورها وتأثيرها في بعض المجتمعات في وقتنا الحاضر. العلمانية يتم التصدي لها باستمرار، إلاّ أنّ لا المعارضة لها ولا الدفاع عنها يخلوان من حالة من الجهل. تكمن الإشكالية في عدم الاتفاق على ما ذا يعنيه مفهوم (secular) الذي له استعمالات مختلفة تجعل من الصعوبة بمكان الإجماع على معناه، وعلى الرغم من ذلك فبالرجوع إلى القواميس والموسوعات، يعرف المصطلح ب(العلمانية) والتي تعني اصطلاحاً: (فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة، وعدم إجبار الكل على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معيّن لأسباب ذاتية).
ولأنّ مفهوم العلمانية عادة ما يستوعب في موقف مضاد للدين، فهنالك من يقول إنّ عدداً كبيراً من الناس قد لا يدرك أن أصل تطوره كان ضمن إطار ديني، ويضيفون أنّ هذه الحقيقة، أو المقولة، لربما تشكل مفاجأة للأصوليين الذين يقفون معارضين للعلمانية في العالم الحديث. وعلى الرغم من أنّ العلمانية، بالتأكيد، يمكن فهمها ببساطة غياب للدين، أو بالأحرى تغييب له، في الغالب يمكن النظر إليها كنظام فلسفي، بتوجهات شخصية وحضارية وسياسية واجتماعية. وإن نظر إليها من الناحية الفلسفية، فلا بد من التعامل معها ليس مجرّد فكرة، وهنا نسأل: أي نوع من الفلسفة هي العلمانية؟
على الرغم من أنّ العلمانية تستخدم، في زمننا الحاضر، من وجهة نظر عملية محددة، إلا أنها لا تزال تمثل جانباً فلسفياً، أو حتى (ميتافيزيقيا)، لا سيما فيما يتعلق بالأحوال السياسية والاجتماعية. على مدار التاريخ، حمل المفهوم معه رغبة قوية تتمثل في تأسيس (كيان) سياسي واجتماعي مستقل له نزعة (طبيعية ومادية)، مقارنة (بعالم الدين) الذي يستمد كيانه من قوى (إيمانية وطبيعية عظمى).
ومن نافلة القول، أنّ العلمانية لم تكن ولم تعتبر دائماً مرغوبة كونياً، وإلى يومنا هذا، هنالك العديد ممن ليس فقط فشل في إدراك فائدتها لمجتمعاتهم، بل يقر، في واقع الأمر، بأنها تشكل مصدراً لكل مرض في المجتمع. وبالنسبة لهؤلاء فلقد نبذوا العلمانية لصالح أسس دينية تبنى عليها النواحي الحضارية والسياسية، والتي من شأنها أن تكون نظاماً اجتماعياً أكثر إنتاجية واستقراراً وأكثر أخلاقية، ومن ثم تنتج وضعاً اجتماعياً مستقراً.
وإذا كان الأمر كذلك من الناحية المفاهيمية والتطبيقية، فالسؤال الذي يطرح نفسه، الموجّه للمسلمين تحديداً: كيف بمفهوم يتعارض مع النصوص الشرعية يمكن قبوله، أو تقليبه على أية صفة أو وجهة ما؟
الأمر محسوم بالنسبة للمسلمين، أما بالنسبة لغيرهم، فالأمر لا يتعارض مع نص شرعي سماوي عندهم، السبب: لا يوجد لديهم نصوص شرعية متعافية، ولو وجدت، فهي مرفوضة بالنسبة لهم. وما تبقى من بني الإنسان الذي ليس لديهم أية مرجعية شرعية، معافاة وغير معافاة، فيأخذون ما يشاءون من المنظرين العلمانيين، دونما إشكالية تذكر لديهم. هنا يمكن تصنيف البشر إلى ثلاثة أنواع: نوع لديه نصوص شرعية سليمة تغنيه عن أي تشريع موضوع، ونوع كان لديه نصوص شرعية، ثم أتت عليها عاديات الزمان، أو رفضت فأخذ بالموضوع من التشريعات، ونوع ثالث ليس لديه مرجعية البتة، أو أنكروها وجهلوها، فيأخذون ما في الساحة من تشريع موضوع دونما أية إشكالية بالنسبة لهم.
والآن أطرح سؤالاً: هل من أيّد الفكر العلماني أو دافع عنه يمكن أن يقال عنه إنه علماني؟
وسؤال آخر، موجّه للعلماء والمشايخ وطلبة العلم: هل من أخذ بالعلمانية (فكراً ومبدأ وتطبيقاً)، من المسلمين، يخرجه عن دائرة الإسلام، نريد فتوى واضحة هنا.
وللفائدة فهنالك موقع ل(مركز الدراسات العلمانية في العالم العربي)، يمكن الرجوع إليه:
www.ssrcaw.org