بدأت فكرة ثقافة الحوار وتبادل الرأي فيما يخص القضايا العامة في بلادنا منذ أن تم إنشاء مجلس الوزراء سنة 1973م في عهد الملك سعود - رحمه الله - بهدف الوصول إلى قرارات مدروسة وجماعية تتعلق بمصالح الدولة والمواطنين ثم تم إنشاء هيئة كبار العلماء في عهد الملك فيصل - رحمه الله - سنة 1391هـ بهدف الوصول إلى أحكام فقهية واقعية مستندة إلى أدلة صحيحة من الكتاب والسنة..
... ثم تم إنشاء مجلس الشورى سنة 1412هـ في عهد الملك فهد - رحمه الله - بهدف مناقشة ما يحال إليه من شؤون الدولة وأنظمتها والوصول إلى توصيات مناسبة إلى أن وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، بالإضافة إلى ذلك، بالبدء في تطبيق هذا النشاط على مستوى النخب المتخصصة؛ فقد عقد في مكتبة الملك عبدالعزيز بالعاصمة الرياض منذ بضع سنوات الملتقى الأول للحوار الوطني في سنة 1424هـ، وكان موضوع اللقاء الوحدة الوطنية، واستمر هذا الملتقى على التوالي في مناطق مكة المكرمة حيث كان موضوع اللقاء الغلو والاعتدال، وفي المدينة المنورة حيث كان موضوع اللقاء حقوق وواجبات المرأة، وفي المنطقة الشرقية حيث كان موضوع اللقاء يتعلق بقضايا وهموم الشباب، وفي منطقة عسير حيث كان موضوع اللقاء نحن والآخرون، وفي منطقة الجوف حيث كان اللقاء يدور حول قضايا التعليم، وفي منطقة القصيم حيث كان اللقاء يدور حول العمل والتوظيف، كما عقد لقاء آخر حول الخدمات الصحية حيث كانت هذه اللقاءات تصب في خدمة المصلحة العامة، والتي حضرها العديد من العلماء والمثقفين والمسؤولين، وقد انتهى الملتقى الأول إلى العديد من التوصيات التي تهدف إلى تلافي التعصب المذهبي أو الاجتماعي والتي من شأنها التأثير والتآلف بين المواطنين والمحافظة على وحدة الوطن، وقد كان من بين هذه التوصيات التي رُفعت للملك عبدالله - أيده الله - الدعوة إلى إنشاء مؤسسة دائمة للحوار الوطني.
وقد جاءت استجابة المقام السامي سريعةً جداً لهذا المطلب عندما تم الإعلان عن إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بالرياض في 24-5-1424هـ.
ومبدأ الحوار الوطني لا يتعارض مع ديننا الحنيف بل يؤيده (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؛ فمن المعروف لدينا جميعاً أن ديننا لم يكن ديناً إقليمياً يخص الجزيرة العربية فقط ولا ديناً قومياً يخص العرب فقط بل إنه دين شمولي من حيث الزمان والمكان والنوع البشري (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)؛ ولذلك لم يعتمد هذا الدين في التطبيق على النص الذي ورد في كتاب الله العظيم وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - فقط بل إنه فتح المجال للاجتهاد وإبداء الرأي من ذوي الكفاءة العلمية والعقلية.
فالنصوص التي وردت في أمور المعاملات كأحكام الزواج والطلاق والبيع والربا وردت بلفظ العموم؛ لكي تكون مجالاً للاجتهاد وإبداء الرأي بما يتماشى مع ظروف كل عصر من العصور وفقاً لشمولية هذا الدين لكل زمان ومكان؛ ولذلك اجتهد علماء الإسلام الأوائل ووضعوا المصنفات الكثيرة في الأحكام الفقهية.
ومبدأ الاجتهاد وإبداء الرأي الذي أقره ديننا الحنيف أمر منطقي؛ لأن ما يضعه علماء الأمة في أي عصر من العصور قد لا يتناسب مع العصور التي تتلو عصرهم.
وإيماناً من الملك عبدالله - أيده الله - بأهمية الحوار الوطني؛ فقد أكد خلال تسلمه التقرير السنوي لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لعام 1428-1429هـ على أهمية هذا المركز في غرس قيم المحبة والتسامح في المجتمع السعودي؛ لكون ذلك يتفق مع سماحة الإسلام ووسطيته، ولأن هذا المركز أسهم في تقدم الإنسان السعودي ورقيه؛ لكونه المشعل الذي ينير العقول ويعمق الإيمان والمبادئ النبيلة والأخلاق العالية؛ ولذلك فقد كان توجه خادم الحرمين الشريفين أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليس لفئة معينة بل هو منبر لجميع المواطنين المخلصين لدينهم ووطنهم، وذلك من أجل أن يقوموا بالإسهام بأفكارهم وآرائهم السديدة في تناول القضايا الوطنية ودراستها، والتي من شأنها الإسهام في دعم برامج التطوير والتحديث التي تتم في بلادنا، عندما طالب بضرورة الاهتمام بنتائج الحوار الوطني والاستفادة منها فيما من شأنه خدمة ديننا وبلادنا.
ومن ذلك تتبين أهمية الحوار الوطني وحاجة بلادنا إليه؛ فالقضايا التي طُرحت في اللقاءات السابقة للحوار، وإن كانت مهمة، إلا أنها توجد قضايا أخرى لا تقل أهمية عن القضايا السابقة، ومن ذلك ما يلي:
* قضية تخصيص قطاعات الخدمات والمرافق العامة إلى القطاع الأهلي؛ من أجل دفعها إلى مزيد من النجاح والأداء الجيد ودعم الاقتصاد الوطني، فما تم من تخصيص في قطاعات الكهرباء والماء والهاتف قد يكون مطلوباً في قطاعات التعليم والصحة والنقل والشؤون الاجتماعية ونحوها من المرافق الخدمية.
* قضية الإسكان؛ فكما هو معروف فإن بلادنا من أولى الدول في النمو السكاني، وهو الأمر الذي يتطلب العمل على إيجاد خطة دقيقة من أجل تأمين المساكن اللازمة؛ فالدولة أقرضت وأمنت آلاف المساكن، ولكن بسبب أهمية القطاع الخاص فإن الأمر يتطلب مشاركة القطاع الخاص فيه عن طريق الاستثمار في تشييد المساكن وتسويقها على المواطنين بأسعار مناسبة.
* قضية وقت الفراغ لدى الشباب وبحث وإيجاد المزيد من الوسائل المناسبة الموحدة والشاملة لقضاء وقت الفراغ فيها كإنشاء أندية مصغرة في الأحياء تشمل المكتبات ومختلف النشاطات الرياضية.
* قضية أسعار السلع الضرورية للمواطنين والعمل على إيجاد صيغة لتوحيد الأسعار في جميع المتاجر والمناطق.
* قضية العنف الأسري، خصوصاً من الأزواج، التي تصل أحياناً إلى مستويات تتعارض مع تعاليم الدين وعادات المجتمع وما وصل إليه العالم من تطور وحضارة.
* قضية التحرش بالمحارم الغريبة في مجتمعنا والتي تحصل من ذئاب بشرية ليس في قلبها إيمان أو رحمة أو إنسانية، والتي تتعارض مع عقيدتنا وعاداتنا، والتي فيها أضرار نفسية ومعنوية على فتياتنا ونسائنا لا يعلمها إلا الله عز وجل.
* ظاهرة الطلاق التي تتم في كثير من الأحيان لأسباب غير موضوعية وبعد فترات قصيرة من الزواج.
* ظاهرة العنوسة؛ فمنازلنا حالياً ملأى بالبنات اللاتي وصلن سن الزواج أو تجاوزنه وهو ما يتطلب دراسة الأسباب وطرح الأفكار الإيجابية التي تقضي على المعوقات، كما يوجد بالمقابل الكثير من الشباب المؤهل عمرياً للزواج، ولكن العديد من العوامل الاجتماعية والمادية تحول دون زواجهم.
* قضية الانتحار التي تحدث في مجتمعنا من حين لآخر؛ فهذه القضية وإن لم تبلغ مستوى الظاهرة إلا أن حصولها في مجتمع يطبق الشريعة الإسلامية التي تحرم قتل النفس يعتبر أمراً مستغرباً.
Asunaidi@mcs.gov.sa