من جديد، يتأجل الحوار الفلسطيني بسبب الاختلاف الشديد بين حركتي فتح وحماس، واعتاد الفلسطينيون سماع تأجيل الاجتماعات التي تستضيفها مصر، أو حتى انتهاء تلك الاجتماعات وتحديد موعد آخر دون الوصول إلى نتائج، حتى أصبح الإنسان يعجب لصبر المصريين على هؤلاء المجتمعين الذين يحضرون ويأتون ويذهبون دون أن يفعلوا شيئاً، وأخذ المتابعون يقيمون تلك الاجتماعات وموقف الفرقاء من خلال مشاهداتهم لما تبثه شاشات التفاز، فإن هم شاهدوا أعضاء وفد حركة حماس عابسين وأعضاء حركة فتح يبتسمون عرفوا أن الحمساويين عارضوا ما عُرِض من اقتراح، وأن الفتحاويين قد قبلوا الاقتراح، وفي جلسة أخرى يجدون الوضع مختلفاً؛ فالانشراح بادٍ على وجوه الحمساويين والحزن على نظرائهم الفتحاويين. وهلم جرا..
كل يوم يتبدل الموقف، جلسات حوار متواصلة.. وعبوس وانشراح.. حتى تحول الحوار إلى حالة عبثية وأقرب إلى حوار الطرشان، خاصة وأن قضايا البحث مازالت هي ذاتها منذ انتهاء جولات الحوار الوطني الشامل في آذار الماضي، وفي ضوء تكرار جولات الحوار وتأجيلها فقد تحول هذا الحوار إلى عملية بحد ذاتها بدلاً من أن يكون جزءاً من جهد وطني وميداناً لإنهاء الانقسام.
والمأساة أنه، وبعد كل تأجيل للحوار، يجري الارتداد للداخل الفلسطيني بإجراءات تطال الحريات العامة وبضمنها توسيع الاعتقالات بما يضع عقبات إضافية أمام نجاح الحوار، ويزيد من الوقائع اليومية التي تكرس حالة الانقسام.
والأكثر خطورة من ذلك، والذي سيعزز أكثر حالة الانقسام هو تبديد استحقاقات الانتخابات.. وهذه الاستحقاقات إذ لم تتم فإنها ستحدث فراغاً دستورياً في النظام السياسي الفلسطيني مما يشجع على إحداث مزيداً من الشروخ في العلائق الفلسطينية وخاصة بين الفصائل لأن يعطي الفرصة للانفلات وحتى التمرد على السلطة القائمة.
والفلسطينيون ومحبوهم كانوا يأملون أن يحقق الحوار الوطني الشامل حلولا وطنية للقضايا التي لم تحسم بعد، بما في ذلك حكومة التوافق الوطني ذات المهمات المحدّدة التي عليها إعداد المجتمع الفلسطيني لانتخابات رئاسية وتشريعية في الموعد المحدد، ومن هذا الإعداد إعادة اللحمة بين الفلسطينيين خاصة بين قطاع غزة والضفة الغربية اللذين يتجهان إلى ما يشبه التشطير.
ولهذا، فإن أية صيغ أخرى بديلة عن حكومة الوفاق الوطني تعني تكريس الانقسام عبر استمرار حالة الانشطار ووجود حكومتين، وهو ما يعني أيضاً استحالة إجراء انتخابات نزيهة وصحيحة.
أكتب هذه المقالة قبل أن أتمتع بإجازتي السنوية التي ستمتد بعون الله حتى الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، وكم أتمنى أن أعود من الإجازة لأجد الإخوة الفلسطينيين قد أنجزوا ما وعدوا شعبهم ويعودون متضامنين... متوحدين... وليس ذلك على الله ببعيد.
jaser@al-jazirah.com.sa