شهدت الأسابيع الأخيرة انتقادات مجددة من الصين (رددت صداها روسيا) عن وضع الدولار الأمريكي كعملة احتياطي عالمية مهيمنة. بينما وصف الكثيرون موقف بكين بأنه سياسي، ثمة نقاش بدأ يلوح في الأفق حول مراجعة نظام الصرف العالمي. تشمل العوامل المناهضة لإعادة النظر في بروز قوى عالمية للأسواق الناشئة، ومدى موثوقية.....
..... الوضع المالي الأمريكي، إضافة إلى الشكوك المتنامية حول صلاحية نظام العملة الورقية على المدى الطويل والتي ظلت منذ مطلع عام 1970. على الرغم من ذلك، يبدو جلياً أن انتقاد النظام الحالي أكثر سهولة من تحديد وتطوير البدائل المتاحة له. وفي ظل هذه الظروف، هل يجب اعتبار المطالبات الصينية بأنها اعتراف متأخر بالحاجة إلى التغيير أم أنها صرف انتباه خطير في وقت يشهد فيه العالم أزمة مالية كبرى؟
ليست هنالك إجابات شافية لذلك. صمد معيار الدولار لحقبة طويلة، بما في ذلك خلال الأزمات الاقتصادية العالمية وانتشار الشكوك حول الاقتصاد الأمريكي. بالطبع، لا يبدو ذلك غريباً، خصوصاً أن النظام الجديد قد استحدث بسبب الأزمة الناتجة عن الأعباء المالية الباهظة لبرامج ليندون جونسون للمجتمع العظيم وحرب فيتنام. ومنذ ذلك الحين، ظلت الأزمة معياراً أكثر مما أنها استثناء. أدى صمود النظام أمام جميع التحديات إلى غياب البدائل الواضحة مما قد يؤدي إلى تكبد تكاليف باهظة في حالة انكشافها دون سيطرة.
على الرغم من ذلك، فقد أضحى جلياً تحول موازين القوى الاقتصادية وقد حدث ذلك بشكل مفاجئ منذ انهيار معاهدة بريتون وود في عام 1971م أدى نظام القطبية الثنائية إلى الحرب الباردة إلى عالم متعدد الأقطاب، بالطبع إلى حد إمكانية استبدال مجموعة الثماني بأكملها بمجموعة العشرين. بينما تظل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة اقتصادية بهامش كبير، فلقد بدأ الفارق في التقلص، خصوصاً مع نمو الأسواق الناشئة ليس من حيث حجمها فحسب بل من حيث تأثيرها. تلك التطورات تجعل معيار الدولار ينطوي على مفارقة تاريخية، أثراً لعهد مضى وولى ولن يعود، ليس بسبب إبقاء المشاكل المحلية السكانية في الغرب لتبعيات الأزمة الحالية فحسب، ولكن لأنها ربما تلعب دوراً في إطالة أمدها.
يقترح هذا التغير خطتين بديلتين لصناع القرار، من جانب، إن كانت النتيجة حتمية، فينبغي بدء التعديل اللازم الآن، ومن جانب آخر، حيث ينطوي على التغيرات المقترحة تعديل أساس للنظام المالي العالمي، يقتضي القيام بذلك على نحو تدريجي ومنسق قدر الإمكان، واضعين في الاعتبار حجم المخاطر التي تكتنف ذلك. تمثلت هذه التناقضات في الموقف الذي تبنته كل من الصين واليابان حيال دور الدولار. يهمنا ذلك كثيراً، لأن الدولتين تملكان أكبر احتياطي في الخزانة الأمريكية. بلغ ما تملكه الصين من احتياطي الخزانة الأمريكية في إبريل 673.5 مليار دولار أمريكي، واليابان حيث تملك 685.9 مليار دولار أمريكي، بينما لا تملك أي دولة أخرى أكثر من 200 مليار دولار.
تزايدت شكوك الصين على نحو علني حول معيار الدولار. انعكس ذلك جلياً إبان استقبال سكرتير الخزانة الأمريكية تيموثي جوزنر خلال رحلته الأخيرة إلى بكين، حيث استجاب له طلاب الجامعة بالقهقهة حيال محاولاته الدفاع عن موثوقية الدولار الأمريكي. تمثل الموقف الرسمي لمحافظ بنك الصين المركزي تشو شياو تشوان بمطالباته بأن العالم في حاجة إلى عملة احتياطي بقوله خلق عملة على أساس معيار مستقر ومستندة إلى مجموعة واضحة من القوانين، وأضاف قائلاً ينبغي أن تكون مستقلة عن الظروف الاقتصادية والمصالح السيادية لأي دولة.
بينما تم رفض ذلك واعتباره منطقاً اقتصادياً غير مقبول، إلا أن الموقف الصيني ظل متمسكاً لحد كبير، وبل أصبح أقوى. الأمر الذي أغضب صناع القرار الغربيين، طلبت الصين مناقشة موضوع عملة احتياطي عالمية جديدة أثناء لقاء مجموعة الثماني في إيطاليا. تكمن المشكلة بالنسبة للصينيين، على حد تعبيرهم، بأنهم وقعوا في فخ الدولار، على الرغم من أن الصينيين قد بدؤوا بتنويع احتياطاتهم بعملات وسلع أخرى، إلى جانب، مفاوضة صفقات التجارة الثنائية بالرينمنبي، فإن البدائل للدولار محدودة. وعلى حد تعبير المدير العام للمجلس التنظيمي للمصارف الصينية ليو بينج بماذا تستطيع الاحتفاظ، من دون الاحتياطي الأمريكي؟.
في الوقت نفسه، سيجعل التراجع المتوقع لنمو الاحتياط الأمر صعباً بالنسبة للصين لتنويعه بشكل طبيعي. لكن، يبدو أن الحزم التحفيزية وتدفق رؤوس الأموال للمدى القصير قد جنب حدوث ذلك حتى الآن. علاوة على ذلك، سيخلق التخلي المعجل عن معيار الدولار تداعيات مكلفة، على الرغم من أن تصاريح بكين تشير بوضوح إلى أنها على استعداد لشطب خسائر كبيرة من أجل الانتقال إلى ترتيبات أكثر استدامة واستقراراً. في الوقت ذاته، يمكنهم تحويل أقوالهم إلى أفعال بالتوجه نحو احتياطي مركب يماثل إلى حد كبير تركيبة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي - تركيبة مرجحة من الدولار، اليورو، الين والجنيه الإسترليني.
بينما يبدو الوضع الصيني خطراً، فإن لذلك جدوى كبرى عند قياسها مقابل الحاجة التنموية للدولة والتحديات السكانية. ومع تسارع شريحة كبرى من سكانها نحو الشيخوخة كنتيجة لسياسة الطفل الواحد، تجد الصين نفسها أمام سباق مع الزمن. كان هذا الدافع الرئيس للنمو السريع الذي يقوده التصدير مدعوماً بسعر صرف ثابت أو عند مستوى أقل لحد ما. ستتعرض هذه الاستراتيجية للمخاطر في حال أن تفقد الفوائض الكبرى المقومة بالدولار جزءاً نسبياً من قيمتها. ولتقليل احتمالات تلك النتائج، فإن الصين حريصة على الانتقال إلى نظام أكثر توازناً، في الواقع إلى وضع ليس بجديد إلى حد ما. كانت هنالك عدة مقترحات لعملة عالمية جديدة تم تقديمها إبان مؤتمر بريتون وودز في عام 1994، بما فيها مقترح الولايات المتحدة الأمريكية لعملة يونيتاس آنذاك، عبر الصينيون عن دعمهم لصالح عملة البانكور الذي اقترحها عضو الوفد البريطاني جون كينيز. كان سيتم تقييم البانكور على أساس سلة من 30 سلعة. وبالتالي ستقود إلى العودة إلى شيء أشبه بمعيار الذهب وللعرف النقدي الذي كان سيفرضه ذلك.
وفي تناقض صريح لجيرانهم، برزت اليابان كأحد المؤيدين الرئيسين للدولار ودعت مؤخراً الاقتصاديات الكبرى إلى دعمه ليكون العملة العالمية الرئيسة. تتعاظم رغبة اليابان في عدم مواجهة الصعاب في ظل هذه الظروف(بسبب مخاوف قومية محددة، وهي فقدان قيمة الاحتياطات الضخمة المقومة بالدولار الأمريكي وكذلك تآكل قدرتها التنافسية الخارجية في وقت حرج. وبالفعل، سيكون احتمال الارتفاع الحاد للين - أحد العملات الحرة الرائدة - مصاحباً لفترة ضعف الدولار.
وعلى الرغم من تيقن اليابان بوضوح لتحول أوراق اللعبة، لكنها تفضل تبني نهج تدريجي أكثر حذراً. بالطبع، وعلى حد تعبير صندوق النقد الدولي قد بدأ وضع الدولار في التراجع. حيث تراجعت احتياطات الدولار عالمياً من 71% من الإجمالي في عام 2002 إلى 64.5% في عام 2008. وما بعد هذا التحول الطبيعي، تفضل اليابان التغلب أولاً على الأزمة الاقتصادية العالمية قبل إيجاد حلول هيكلية أوسع لعدم التوازن العالمي. تكمن مخاطر وضع اليابان في سيناريو عدم استدامة وموثوقية أو سرعة إعادة توازن الاقتصاد العالمي الحالي بالشكل المطلوب. الأمر الذي سيضع الضغوط على أسعار الصرف، وكبديل، من المحتمل عندما يبدأ التغير في شق مساره، أن يكون أمراً خارج التحكم. ومع انفلات الأمور، فسيتحول الإجماع بسرعة من موقف اليابان إلى موقف الصين. وعندها ستكون محاولات إيجاد استجابة دولية منسقة أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
كبير الاقتصاديين في الأهلي كابيتال