يعرف عالم النفس البريطاني (راي كروزير) الشخص الخجول بأنه ذلك الذي (يسلك مسلكاً دفاعياً، إذ ينأ بذاته عن مواقف التفاعل الاجتماعي والتواصل مع الآخرين، ويكره أن يعبر عن آرائه وأن يبدي اختلافه مع الآخرين، ويحرص دائماً على أن يكون في خلفية الصورة، بعيداً عن الآخرين (...) ان ازدياد الفردية وانخفاض وضعف الجوانب الاجتماعية، لم يؤديا إلى زيادة أعداد الخجولين فقط، بل هناك من الدلائل ما يشير إلى أنهما سبب زيادة انتشار (الرهاب الاجتماعي) كذلك، ويقصد بالرهاب الاجتماعي، القلق الشديد الذي يعانيه الأفراد مع مواقف التفاعل الاجتماعي، والرهاب ربما يكون مصطلحاً غير سار للكثيرين، لأنه يذكرهم ببعض المخاوف المحددة كالخوف من العناكب والثعابين، بينما يعد القلق الاجتماعي أكثر عمومية، وثبت أنه من الصعب التمييز الدقيق بين مفهومي الرهاب الاجتماعي والخجل، هذه النتيجة التي توصل إليها العالم البريطاني وطرحها عبر كتابه المهم (الخجل) عالم المعرفة، العدد (361) يضعنا وجهاً لوجه أمام مرض يعانيه بشراسة إنسان العصر الحديث، كنتيجة طبيعته لازدياد الرفاهية! وللسهولة التي يستطيع إنسان العصر الحديث، كنتيجة طبيعته لازدياد الرفاهية! وللسهولة التي يستطيع بها المرء قضاء حاجاته أو لمعاناته من القمع أو التهميش، حتى أدمن العزلة: عزلة المنزل والمكتب والشارع، بينما كان في السابق على درجة عالية من التواصل المباشر مع الناس وبيئة العمل والشارع والسوق، انه الآن بالهاتف يحضر ما يريد وبالهاتف يبحث عن وظيفة وهو يتخاطب مع رؤسائه ومع شركات الخدمات العامة عبر الإنترنت أو الهاتف، تحول العالم في نصف قرن إلى كتلة من العزلة، عزلة في المجمع الذي تسكنه وفي العمل والطائرة والمقهى، حتى وصل الأمر بصديقنا (مأمون فندي) إلى أن يصف الفلاح المستقيم بأنه إنسان محترم فهو ليس له دخل بأحد أو مع أحد أنه شخص من (غيطه لدشه!) اختصر حياته في فلاحة الحقل ومشاهدة القنوات الفضائية! أنه تعبير حقيقي وإن كان قاسياً، أما الإنسان العصري فهو أكثر غموضاً أنه يأتي من بعيد وحالما يقترب من باب منزله يضغط على زر فيفتح باب الجراج وبالزر نفسه يغلق الباب ولا يراه أحد إلا وهو خارج، فلديه كل شيء مجلوب بوساطة زر، القنوات الفضائية، الأطعمة، تحديد المواعيد، السفر، حتى الأصدقاء قد يتواصل معهم بالرسائل الهاتفية مهنئاً ومعزياً، حتى أصبح مع الوقت أكثر تهيباً وقلقاً، عندما يتهيأ للالتحام وجهاً لوجه مع الناس على جميع أشكالهم وألوانهم وعقائدهم وأعراقهم.. المصيبة أن كل النتائج التي توصل إليها مؤلف هذا الكتاب لا تشير إلى قرب تحديد عقار نافع للرهاب الاجتماعي، أكرر الرهاب الاجتماعي، وليس القلق الاجتماعي!
وهو مرض العصر الذي تفاقم وجوده، في نصف القرن الأخير، فأصبح طاغياً، ومعيقاً لحركة الناس على مختلف أعمارهم، أنه مرض بينه وبين (الخجل) شعرة، لذلك فإن العلاج حسب ما فهمت، وأرجو أن أكون مخطئاً، علاج واحد، لكن السؤال أين هي وسائل الترفيه أو التواصل (غير المملة) القادرة على إخراج الإنسان من عزلته التي قد تبدأ من الخجل ثم تتحول إلى الرهاب!
فاكس: 012054137