عودنا الغرب في العصور الحديثة على شن (سخرية سياسية) أو ما يعرف ب a political satire لتتحول إلى مأساة حقيقية، وفي العادة هي عبارة عن نقد ساخر، تسخر فيه وسائل الترفيه، من مسرح أو سينما، ببساطة لتسجيل موقف لخطأ أو أخطاء في قضايا معينة في الجانب السياسي أو الاجتماعي وليس لتقديم حلول لها.
فيلم يضع سيناريو لحرب تشبه حرب العراق، وفيه يصرح (وزير الخارجية البريطانية الممثل) واقعاً في خطأ لفظي كان من الصعب عليه الخروج منه أمام الصحفيين يقول: إن الحرب ضد دولة في الشرق الأوسط لم يسمها، إنها (حرب لا يمكن تفاديها) war is enforceableوعندما شعر أنه تورط في استخدام هذه العبارة، قال محاولاً الاستدراك: (الحرب غير محتملة، إلا أنه لا يمكن تفاديها)، ولقد ظن أنه انتشل نفسه من الحفرة التي وقع فيها، بسبب التلفظ بالعبارة الأولى. ويتابع القول: عندما نتجه إلى (جبل السلام) فلا مناص من تسلق (جبل الصراع)، عندما تستمع إلى كلمات السياسيين وتحاول ترجمتها يمكن أن تفهم أنها اندفاع نحو الحرب على الرغم من تصريحات السياسيين، التي يحاولون التلفظ بكلمات تدل على عكس ما في نفوسهم، ولقد قالوا بشأن صدام: (سوف يهاجمنا بأسلحته فلا بد من محاربته).
ورامس فيلد، وزير الدفاع الأمريكي في عصر بوش، مشهور بمثل هذه التصريحات. وبعد أن قال وزير الخارجية إن (الحرب (المزعومة) لا يمكن تفاديها)، تشكلت (لجنة سرية للحرب)، تدور بعض لقطات الفيلم حول ما يجري داخل مداولات هذه اللجنة. ويطلب من الموفد الأمريكي والممثل في هذه اللجنة أن يوثق ما دار في اجتماعاتها، إذ لابد أن تقدم جميع الجهات الدليل، إذ لا أحد يريد أن يفقد عمله، فما يوثق يعتبر مذكرات مهمة لابد من الرجوع إليها كلما دعت الحاجة إلى ذلك. يصلون إلى استنتاجاتهم مقدماً وليس أخيراً، وهذا عكس المتبع.
ويحاول الموفدون أن يقدموا لموفديهم ما يريدون سماعه، لا يريدون أن يفقدوا عملهم، فبدلاً من أن يقولوا: (لا توجد أسلحة دمار شامل) يقولون: (لابد أنها مخبأة في مكان ما). وعندما يعودون إلى واشنطن يقولون ما يجعلهم يشعرون بأهميتهم، لا بما يعتقدون أنه صحيح. ويذكر أن بلير، رئيس مجلس وزراء بريطانيا السابق، حاول ومساعدوه أن يثنوا عزم بوش لغزو العراق، ولكن سرعان ما شجع وجود بلير في (أجواء البيت الأبيض) إلى التسليم برأي بوش. يبدو أن المسألة (نفسية)، تأثر ببيئة البيت الأبيض وبالتركيز الدولي على الأحداث. وفي الواقع عاد بلير ومساعدوه إلى بلدهم خاليي الوفاض، متراجعين عن فكرة (اللاحرب) التي كانوا متحمسين لها، وكانوا يظنون أنهم سيقنعون الأمريكيين بها. ويقول الكاتب ودوورد في واحد من كتبه: إنك ترى مباني البنتقان والخارجية في واشنطن وتشعر بأهميتها ويقع تأثيرها في نفسك وتظن أن الذين يعملون بداخلها يعلمون ولكن تفاجأ أنهم لا يعلمون. ويذكر أنه في واحد من الاجتماعات في البيت الأبيض، السابقة لغزو العراق، سئل السؤال التالي: وبعد الغزو ماذا نعمل؟.
ويشعر السياسيون الذين تمثل شخصياتهم في الأفلام، بشعور غريب وأحياناً يتصرفون كأطفال. يذكر أحد المخرجين أنه ذهب لإحدى الوزارات ليستشعر البيئة التي ستكون في الفيلم الذي أخرجه، ويقول إن السياسيين يحبون من يمثلهم في الأفلام والبرامج التلفزيونية، لقد كانوا متشوقين وأحضروا كمراتهم لأخذ صور مع النجوم الذين سيقومون بأدوارهم.
يذكر ذلك المخرج أن عالم السياسة عبارة عن (فقاعة مغلقة) closed bubbleويضيف: إن السياسيين يتشوقون للاتصال بالعالم الخارجي. ويذكر أن مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، كانت تؤكد لمساعديها: بعدم مغادرة الاجتماع، إذ يمكن أن يتخذ قرار ما في غياب من يغادر ومن ثم يفقد دوره في اتخاذ القرار. وتذهب إلى أبعد من ذلك بعدم مغادرة الاجتماع، وتسمي ذلك: (دبلوماسية البلادر) أي الجلوس في الاجتماع، ولو لست ساعات متواصلة، وعدم المغادرة حتى لدورة المياه.
أما المضي في تطوير العتاد الجوي الأمريكي فعليه خلاف كبير يدور في كواليس الكونجرس، والخلاف على الاستمرار في تطوير طائرة F-22 التي طورت في عام 1980م، ولم تستخدم في أي من الحربين، أفغانستان والعراق، أما فاتورة التطوير فتقدر بـ 1.8 بليون دولار، ويذكر أن هذا التطوير سيوفر نحو 22 ألف فرصة عمل في 45 ولاية، ومنهم من يقول إن ذلك مضيعة للمال العام، والرئيس أوباما مدفوع بوزير الدفاع لوضع المشروع في ميزانية 2010م . وإذا كان الأمر يتعلق بخلق فرص عمل للعاطلين في المجتع فلقد أثبتت الدراسات أن الاستثمار في التعليم ينتج فرص عمل أكثر من الاستثمار في الصناعة الحربية ومنها صناعة الطائرات الحربية التكتيكية.
ويذهب المحللون إلى أن القوة الجوية الأمريكية، بشكل عام، تعتبر أصغر وأقل قدرة مقارنة بما يصرف عليها من أموال. وهكذا الحال في الشرق كما في الغرب، مبالغات في شراء العتاد الحربي وما يتبعه من تشغيل وتدريب وصيانة، تكاليف تصل إلى أرقام فلكية. والسؤال بالنسة لهذه الطائرة: هل هي قادرة لأنواع الحروب التي تخوضها أمريكا؟.. وتنحصر مشكلة هذه الطائرة في تكلفة تشغيلها، إذ تقدر ب 41 ألف دولار لساعة الطيران الواحدة، طائرة عظيمة مكلفة جداً لتحليقها، مقارنة ب F-15 التي يكلف طيرانها 30 ألف دولار في الساعة. على رأس المعارضين لتطويرها السناتور مكين الذي يقول إن F-22 طائرة مكلفة ويجب أن توضع الأموال في مجال آخر، ويتساءل: هل هناك دراسة تؤكد الحاجة لهذه الطائرة بدا؟ الذي يمكن اسنتناجه من كل هذا أن أمريكا لا تتبع سياسة الردع فقط، بل لا تستبعد المغامرة في حروب أخرى، ليس بالضرورة الخوض في حربين في وقت واحد كما هو حالها في الوقت الحاضر.
هذه الطائرة لا حاجة لها للأمن الوطني، طورت للوصول إلى تفوق للولايات المتحدة في المجال الجوي، وذلك جهد بدأ من خمسين سنة مضت، علماً أن تطوير تقنية جديدة من المقاتلات يستغرق عشرين عاماً. وثمة سؤالان آخران: من أين يأتي التهديد لأمريكا، لنقل بالنسبة للجيل القادم؟ وما الفائدة من الاستمرار في تطوير الطيران الحربي التقليدي؟.. يؤكد الخبراء أن الطائرات الآلية المستخدمة في أفغانستان تعتبر أفضل من طائرات مكلفة مثل F-22.
والآن لك، أيّها القارئ الكريم، أن تتصور معي الممثلين على خشبة المسرح، الداعين للحروب أو المروجين لها، وهم كثر: كتاب السيناريوهات، المخرجون، الممثلون، السياسيون، رجال الأعمال، ورجال الحروب، والمعارضون لها من المصلحين الاجتماعيين، كلٌّ يغني على ليلاه، مجتمعين أو منفردين.