مصادر الإبداع قوى خفية لا يستطيع كل إنسان استكناهها أو ستكشافها، وساعات الإبداع ومضة مشرقة من ومضات العقل البشري المخبوء بمقدوركل إنسان اقتناصها. هناك إبداع مصدره الألم، ويوجهه القلق، وهناك إبداع مصدره السعادة، ويوجهه التفاؤل، وهناك إبداع مصدره الشعور الحي تجاه الحياة، والكون، والإنسان، وهناك إبداع مصدره الطبيعة الخلاّقة على اختلاف أنواعها وتقلباتها.

* أفراد قلائل بل نوادر من البشر هم أولئك الذين تتعدد مصادر الإبداع لديهم، أو بتعبير أدق مصادر الوحي والإلهام لأن هذا التنوع لا يتأتى إلا لأشخاص مروا بأطوار عديدة، ومواقف متناقضة في حياتهم، جاسوا من خلالها الواقع، فأثرت تجاربهم، وأضرمت جذوة الإبداع في حناياهم.

* لاكما نتخيّل ونعتقد الإبداع باب واسع مدعاة للاختراع والابتكار، في سائر العلوم والفنون، وقد حاول الكاتب الشهير(فرانك كران) أن يستجمع هذه المصادر ويستقصيها للآخرين، ممن تحلّق بهم طموحاتهم وآمالهم بصورة كبيرة تختلف عن غيرهم من البشر.

* أولى هذه المصادر وأشده تأثيرا هي (السكينة) إذ إنها كما يقول (الينبوع الفيّاض لأعظم تأملاتنا وتصوراتنا، منها تتغذى الأرواح السامية والنفوس الحسّاسة) بحث عن هذه (السكينة) ليجدها بعد عناء طويل، وكدٍّ للذهن عميق تتمثل في العوالم التالية:

* سكينة الليل: عندما يهدأ العالم كله، ويلجأ إلى الرقدة ويستريح، يستيقظ العملاق فينا، وحينئذٍ ترتفع أفكارنا إلى الأعالي فيكون الإلهام.

* سكينة البحار: تلك الأعماق الغزيرة التي لا يعرف أحد حدها أو منتهاها، تلك المياه التي تلمع تحت نور القمر ولهيب الشمس جميلة لطيفة. يتأمل المخلوق فيها فيكون الإبداع.

* سكينة السماء: عندما ينظر الإنسان إلى الكواكب والنجوم الصامتة الهادئة، ترتفع نفسه إلى فوق هذه المشاهد الجميلة الجاذبة، يتفكّر ذلك المخلوق فيكون الابتكار.

* سكينة الأموات: في مدائن الموتى، وبين الجماجم البالية تُلقى علينا أسمى العظات، وأجلّ العبرات، حينئذٍ نستدعي أكثر من سؤال وتساؤل.

* يبقى السؤال العريض القائم في النفس هل نعطي أنفسنا الفرصة الكافية أمام هذه العوالم الصامتة، ونحن نخوض معترك هذه الحياة المتلاطمة. أو أننا نسير كيفما اتفقت الظروف فيها.

(بلاحدود)

* من أبيات عبدالرحمن شُكري: