كانت السادسة صباحاً والوقت يهتبل الشمس
والقيظ لم يحل وثاقه عن أعناق المدن..
الذهن يجوب صور المدينة الكبيرة يستعرض معالمها..
ثمة ما يثير الشوق للمتحف المترامي هناك خلف السور الممتد بين أقصى العمق وأول التجديد..
للمرة الثالثة كان الشوق يعمر الصدر لهذا المتحف.. يغري الجوارح بالحركة..
كوب القهوة لا يفك الكف، يراهن على المزاج..
المتحف يبتدرك بالتاريخ..
بطولات الحجر، وحوافر الجياد، ووجوه كدها القلق، وبقايا عظام لفرس خاض المعارك ورداء تباهت به المقاعد، وآنية طوت جوعا، وأخرى سقت عَطِشا.. الغابات غابت وبقي منها حيوانها، والقصور زالت وبقي منها رسومها، والمدن بادت وتركت حجارتها، والدور فنيت وشاهدها أبوابها ونوافذها..
قدمان ما كلتا تجواب يوم بساعاته التي تلافت هدير العرق هبة القيظ، وتلقت لفح السموم يلقي تحية المناخ، حتى غروبه الهادئ يتهادى بكسل المتسائل عن منفذ الهروب لنسمة أندى، وليل أقل لسعا..
هناك في المتحف، حكايات ساخرة صامتة، وقصص مثيرة ناطقة، ومشاعر جياشة مختبئة، وثمة ما يختزنه لأقلام المبدعين، ويحفظه لقدرات الممثلين، ويبسطه لحكمة المنفذين..
المتحف حياة، كلما عزت الأنفاس وضاقت الصدور، وفرغت الأذهان ضخ لها ما يجري وريد الفكرة ويحرض دم الابتكار...
هناك تتلفت بحثا عن الوجوه السمراء الراكضة نحو الأسواق والسهرات..
تكاد أن تعدهم بين الثلل عدَّا..
كوب القهوة شاطرني في المساء حكمة المتحف، درسه، عبرته، قصصه، حكاياته، أسراره التي لم يفض بها.. إلا لذي نهر.. وجدول..