عند ظهور الإسلام الحنيف في مكة المكرمة قبل 13 سنة من الهجرة النبوية للمدينة المنورة التي حصلت منذ 1430 سنة، واجهت الدعوة إلى الدين الجديد على يد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الكثير من العقبات والصعاب؛ فقد ظل - عليه الصلاة والسلام - تلك المدة في مكة..
.. وهو يدعو إلى الإسلام ويتحمل الصعاب في سبيل ذلك من دون أن يتحقق الهدف بكامله، وهو نشر الإسلام ودخول سائر سكان مكة في الإسلام.
وكان الله - عز وجل - بقدرته اللا محدودة قادراً على نشر الإسلام وقبوله من زعماء مكة وسكانها من يوم ظهوره، ولكن الحكمة الإلهية تجلت في ضرورة أن يكون قبول الدين الجديد بالقناعة الذاتية وليس بالإكراه؛ حتى يتحمل كل إنسان مسؤولية قراره أمام المولى - سبحانه وتعالى -؛ ولذلك حث الله - عز وجل - نبيه - عليه الصلاة والسلام - على الدعوة إلى الإسلام بالطرق السلمية وليس بالقوة والعنف (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وهذا المبدأ مطلوب من كل مسلم يتصدى للدعوة إلى الله إلى قيام الساعة؛ فالدعوة إلى الإسلام بالإكراه أو العنف أو نحوهما ليست من الدين في شيء بل إنها تسيء إلى الإسلام وتشوه صورته المضيئة.
ولك أن تتصور مثلاً أن المسلمين في أنحاء العالم قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001م كان أي منهم يتنقل بين دول العالم بدون إذن مسبق، وهو ما يعرف بالفيزا أو التأشيرة، ويحظون بمكانة جيدة من الاحترام والتقدير من سائر دول العالم، وخصوصاً الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى درجة أن هذه الدول سمحت ليس ببناء المسلمين، سواء من رعاياها أو المقيمين فيها، المساجد وأداء الصلاة فيها فقط، بل سمحت بافتتاح مراكز إسلامية ثقافية ومكاتب للدعوة وممارسة الدعوة إلى الإسلام الحنيف عن طريق هذه المراكز والمكاتب.
وكان لهذه المراكز والمكاتب دور إيجابي في التعريف بالإسلام واعتناق كثير من غير المسلمين له، وهذا التقدير والاحترام الذي حظي به المسلمون من دول الغرب خاصة وبقية دول العالم عامة يعود لما يعرفونه عن الدين الإسلامي الحنيف من سماحة وعدالة ومساواة واحترام للإنسانية وللديانات السماوية التي سبقته فهم يدركون أن الإسلام هوآخر الأديان وأن رسول الإسلام هو آخر الرسل، وأن الحضارة الغربية مبنية في الأساس على الحضارة الإسلامية ومع ذلك فإن هذا الدين لم يلزم أحداً من الإنسانية باعتناقه إلا برضا وقناعة، كما أن هذا الدين قد وضع من القواعد التي تحث على أن الدعوة للإسلام ينبغي أن تكون بالأسلوب اللائق والمجادلة الموضوعية.
ولكن بعد أحداث ذلك اليوم المشؤوم الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001م وعندما تبين للولايات المتحدة التي وقعت فيها تلك الأحداث أن منفذيها هم من العرب تغير كل شيء حيث فقد الغرب الثقة في العرب والمسلمين حتى ولو كانوا من مواطني دولهم كما شددت إجراءات دخول العرب والمسلمين لدول الغرب وتم إغلاق المكاتب والمراكز الإسلامية وهوجمت المساجد ودور الثقافة الإسلامية بل إن الأمر لم يقتصر على ذلك وتجاوزه إلى إعلان الحرب على بعض الدول الإسلامية وإسقاط حكوماتها كأفغانسان والعراق وتجاهل العملية السلمية في الشرق الأوسط التي كانت على وشك النهاية في أواخر حكم الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) بالوصول إلى حل للقضية الفلسطينية إضافة لمحاولة إثارة النزاع والفتنة بين المسلمين انطلاقاً من تعدد مذاهبهم، ومن ذلك أيضاً تشويه سمعة الإسلام بين الشعوب، ومع هذه المآسي التي حصلت للعرب والمسلمين بسبب التصرف المتهور في الحادي عشر من سبتمبر الذي يستند إلى الغلو والتطرف في مفهوم الدين الذي يتسم بالسماحة والرحمة والإنسانية وعدم الإكراه فإن أصحاب الفكر المتشدد المنافي لسماحة ديننا الحنيف لا يزالون مستمرين على أفكارهم وعلى تصرفاتهم وكأن شيئا لم يحدث رغم النصائح التي تقدم لهم بشكل مستمر بأن أفكارهم وتصرفاتهم تسيء لهذا الدين الحنيف الذي اختاره الله عز وجل ليكون آخر الأديان إلى آخر يوم في هذه الدنيا وتسيء إلى سمعة ومكانة المسلمين وتؤدي إلى إثارة الفتن وعدم الاستقرار.
ومن هذه التصرفات ما تم اكتشافه مؤخراً في بلادنا مما كان يخطط له هؤلاء المتشددون من أصحاب الغلو والتطرف وبعضهم من ذوي التخصص والتأهيل العالي للإساءة مرة أخرى إلى دينهم وبلادهم ومواطنيهم، وإن التعجيل في اكتشافهم على يد رجال الأمن المخلصين دليل على بطلان تصرفات هذه الفئة ورحمة الله بهذه البلاد وأبنائها، وهو الأمر الذي أسقط في أيديهم وأدى إلى ارتباكهم عندما دبروا المحاولة الفاشلة للنيل من حياة سمو مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز الذي يعتبر من أبرز رموز الأمن في بلادنا.
لقد حان الوقت لأبناء هذا الوطن المتأثرين بأفكار الغلو والتطرف أن يراجعوا أنفسهم وأن يعودوا لسماحة الدين الحنيف فقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: (بعثت بالحنيفية السمحة)، وقوله: (ما شاد أحد في الدين إلا غلبه) كما أن على هؤلاء المتشددين أن يعودوا للغالبية من أبناء وطنهم وأن يلبوا نداء حكومتهم فأبناء هذه البلاد قيادة وشعباً مسلمون - والحمد لله - أباً عن جد ولا أحد يمكنه أن يزايد على ذلك، وأن الدعوة للإسلام الذي تكفل المولى باستمراره إنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالقوة والإكراه، كما ورد في كتاب الله الكريم؛ لأن ذلك هو الذي يتماشى مع حكمة الخلق والامتحان والبلوى والاختبار التي منحت للإنسان؛ فالله قادر على أن يكون جميع الناس مسلمين وقادر على أن يكونوا أيضاً في مستوى الملائكة ولكن سر الخلق هو أن يختار الإنسان بمحض إرادته طريقه الذي يؤدي في النهاية إلى مصيره بعد أن يوضح له ما ورد في الدين بأسلوب بعيد عن الإكراه والقوة حتى لا تكون له حجة على الله بأنه أجبر على شيء معين فهو أمام فرصة الاختيار إما أن يقرر طريق السعادة والنجاة أو طريق الشقاء والهلاك؛ ولذلك فإن تبليغ دعوة الإسلام لغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة هو الأسلوب الذي يبرئ ذمة المسلمين من التقصير في الدعوة الإسلامية وفي نفس الوقت يوقع الحجة على غير المسلمين بأن هذا الدين بلغ لهم بأرقى وأحسن الأساليب وهو ما يعني أن إبلاغ الدين الإسلامي لغير المسلمين بغير هذا الأسلوب سواء بالقوة أو الإكراه أو القتل أو الاختطاف سوف ينعكس سلباً على المسلمين وإيجاباً على غيرهم؛ فالمسلمون سوف يخسرون سمعتهم ومكانتهم في العالم وإلحاق الضرر بهم كما سيؤدي ذلك إلى تشويه سمعة دينهم وهو ما حصل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما سبق أن ذكرنا، أما غير المسلمين فسوف ينعكس ذلك إيجابياً من ناحية أنهم سوف يدعون بأنهم الجانب المعتدى عليه وأنهم أجبروا على اعتناق معتقد بدون رضاهم.
من ناحية أخرى وإزاء ما تم اكتشافه مؤخراً من خطط هدفها الإساءة لبلادنا أمنياً واقتصادياً نتساءل:-
* ما هو ذنب بلادكم التي ولدتهم وتربيتهم فيها وعشتم أنتم وآباؤكم وأجدادكم على ثراها حتى تلحقوا بها الضرر وتخططوا لها بما يسيء إلى أمنها واستقرارها ويضر باقتصادها.
* ما هو ذنب مواطنيكم عندما يتم شمولهم من قبل الدول الأخرى بقائمة مَن يتم التشديد عليه في الإجراءات والإقامة والتنقل بسبب تصرفات حصلت من فئة محددة منهم.
* ما هي نقطة النقص في ديننا الحنيف حتى تحاولوا ملئها بمثل هذه التصرفات البعيدة عن سماحة الدين وشموليته بل إن هذه التصرفات تسيء للإسلام كخاتم للأديان وتشوه سمعته أمام أصحاب الديانات الأخرى وهو الدين الذي كان أيام الفتوحات الإسلامية محل ترحيب من سكان البلاد المفتوحة لما رأوه من سماحته وإنسانيته وعدالته، من أجل ذلك يمكن أن يقال لكم: كفى تشويهاً للإسلام والإضرار ببلادكم ومواطنيكم.
asunaidi@mcs.gov.sa