أنا لا أطالب بإلغاء المعروف بين الناس، فبه تصلح أحوالهم، وتكبر محبتهم، وتشيع بينهم القيم، وتتكامل أفعالهم لتوصلهم جميعاً إلى قمة تؤهلهم بفضل الله أن يدخلوا جنات عرضها كعرض السموات والأرض، لكنني أرى أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرء، أن يصيبه معروف من غير أهله.
نعم.. فللمعروف أهله، الذين لا يبتغون فيه غير وجه الكريم سبحانه (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)، يظهر بهم، ويشيع بين الناس الألفة والتكامل، ويحقق سبب وجوده فتستقيم به ومعه أمور الناس وحياتهم.
وللمعروف أيضاً من ابتلي بهم، لا يعرفهم ولا يعرفونه وإن تسموا به واستغلوا صفاته، الذين تسلقوا على أكتافه لغايات يرجونها، فهو منهم براء وإن وافق ظاهر فعلهم معروفاً (كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ)، وهؤلاء هم من أقصد، فضرر ما يفعلونه لك مما يسمونه معروفاً، أكبر من نفعه الوقتي، فكثير من الناس يظن عندما يحسن إليك في أمر ما، أنه بهذا الإحسان أو المعروف قد اشتراك، وامتلك الحق في أن يحدث في مستقبل علاقتك به من الأخطاء والأذى ما يشاء، فهو صاحب (الأوله) كما يقولون الذي لا يمكن أن تجاريه بعدها، وإن تسبب لك في مصائب وأذى يتعدى إحسانه ومعروفه السابق، إن وجد مناسبة تغنى بإحسانه إليك، وردد ما يعزز مكانته بين الناس في تكرار تعداد ما يفعله لخدمة هذا أوذاك، وإن عوتب، عاب على ما يعاتبه بأنه لا يحفظ المعروف، واستغرب على الناس هذا الجحود.
مسكين من يضع إصبعه تحت ضرس أحدهم ليضغط عليه متى شاء، لكن المبتلى من لا يجد حلا غير أن يضع إصبعه تحت ضرس من يتسمى بأهل المعروف.. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com