دأبت بعض الفضائيات العربية على استضافة أشخاص لم يسبق أن سمعنا بهم من قبل لمناقشة قضية عامة تهم شريحة كبيرة من الناس، واصفة إياه ب(الناشط) الحقوقي، أو الناشط في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، حتى بت أخشى أن يأتي اليوم الذي نسمع فيه عن (ناشط في أكل الكوارع) يتطوع فيحدثنا عن (الخلطة السرية) في عمل الكوارع!
الناشط الحقيقي - كما أفهم على الأقل - هو المدافع عن قيم المجتمع، وعن حقوق الإنسان في وطنه.. والناشط الحق.. هو ذلك الشخص المؤهل المدافع عن الحريات المسؤولة.. التي لا تستبيح كرامة الناس ودماءهم أو تعكر صفو الأمن العام.
سأجد عذراً وحيداً لتلك القنوات يتعلق برفض أشخاص مؤهلين الحديث في هذه الموضوعات، ولذلك تلجأ إلى الاستعانة بكل من هبّ ودبّ، مانحة إياه الصفة التي يمكن من خلالها تمرير مقولته أو إعطاء الشرعية لحديثه.
تابعت عبر إحدى الفضائيات أحد هؤلاء (الناشطين) الذي يناقش قضية جنائية أُشبعت بحثاً وتحليلاً.. بغية أن أجد إجابة على أسئلة تطفو في مخيلتي من خلال متابعتي تلك الحادثة عبر الصحف.. ووجدت (الناشط الحقوقي) يشرّق ويغرّب، ويبدو متلعثماً، وغير متمكن من شرح قضية موكله بالقدر المطلوب.. وأيقنت أن ذاك (الناشط) الموكل في حاجة إلى من يتوكل عنه علَّه يزيل اللبس الحاصل، ويجيب على تساؤلات الناس بعد أن تحولت قضية موكله إلى قضية عامة.
وفي ظني أنه لا يزاحمهم - أي الناشطون هؤلاء - إلا الخبراء أو الباحثون في شؤون الإرهاب والذين حين تسمعهم تكتشف أن معلوماتهم عن هذه الجماعات الإرهابية التي عاثت في الأرض فساداً وتدميراً.. لا تزيد عن معلومات أي قارئ متابع لهذه الأحداث!
لتلك القنوات أن تستضيف من تشاء.. ولكن ليس من حقها أن تلبسهم ثوباً من التميُّز أو المعرفة المتخصصة لأن فيه استخفافاً بعقليات المشاهدين الذين يضيعون أوقاتهم للخروج بفائدة ما تساعدهم على فهم ما يجري.
أما ثالثة الأثافي.. فهي البرامج الحوارية التي تُجرى بين طرفين متضادين..
يبدأ الحوار هادئاً رتيباً.. ثم لا يلبث أن يشعل أواره مقدم البرنامج.. فيندفع المتحاوران ليكيل كل منهما للآخر كمّاً هائلاً من عبارات التخوين، والعمالة، وتهمة الارتماء في حضن (العجل الذهبي) - معذرة للرواية - وليت الأمر يقتصر على شخصيهما، بل تطال بلديهما ودونما حياء أو خجل.. وتكتشف في النهاية أنك إزاء معركة (ديوك) حقيقية قد تسيل فيها الدماء.. بدليل أن أحدهما نهض من مقعده في محاولة لتسديد (لكمة خطافية) لمحاوره الآخر أمام الملأ - أي والله -!!
رامياً - كمثقف - أبجديات الحوار، والاختلاف، وحق الآخر في إبداء وجهة نظره بموضوعية دون الولوغ في عبارات التسفيه، والتخوين، وقلَّة الأدب!
وبقدر أسفنا على إضاعة وقتنا فيما لا فائدة فيه، بقدر ما نأسف على أن الزمن لم يغيّر مفاهيم هؤلاء المثقفين - افتراضاً!
القنوات الفضائية لم تكتف بتلويث هذا الفضاء البديع، بل راحت تلوِّث عقولنا وتربيتنا حتى إنه ليخيَّل إليَّ أنها مسؤولة - هي الأخرى - في اتساع ثقب (الأوزون) مع النفايات السامة الأخرى!!
لو كان لي من الأمر شيء لطالبت بإيقاف كل (قناة فضائية) لا تحترم عقلية المشاهد، وذائقته.
مطلوب وثيقة شرف إعلامي تُجرّم كل قناة هابطة تسعى إلى تخريب العقول، وتستثير الغرائز، ونشر الفتنة.. لكن.. على من تدق مزاميرك يا داوود؟!
Alassery@hotmail.com