يقول منير نصيف (1968م) في مقالة له: (حظ المرأة من الحياة التعب) مجلة العربي الكويتية، العدد:112 إن المرأة تمر بمراحل عدة في حياتها، تتغير فيها وتتبدل شكلاً وموضوعاً، فمن طفولة إلى أنوثة في المراهقة،
|
وما يصحب ذلك من تطورات مثل الدورة الشهرية التي تدفعها إلى العزلة والانطواء، إلى امرأة وزوجة تحمل وتلد وترضع.. وهي في كل مرحلة من هذه المراحل تتميز بحساسية بالغة لتلك التغيرات المفاجئة، التي طرأت عليها، واستحوذت على كل تفكيرها، ومن هنا كانت المرأة بطبيعتها أكثر تعرضاً للتقلب النفسي، فهي في تفكير دائم في هذا الانقلاب الذي حدث لجسمها في فترة المراهقة، ثم هي تفكر بعد ذلك في المستقبل الذي ينتظرها مع الرجل الذي سيكون لها زوجا.. وهي تفكر فيما بعد الزواج المستمر يؤثر على حالتها النفسية قبل الزواج وبعده.
|
لقد صدق نصيف في وصفه لحالة المرأة في حياتها، ولكن أغلب الرجال لا يدركون هذه التغيرات التي تحدث لها في حياتها وما يحدث لها من تغيرات سلوكية في كل مرحلة من هذه المراحل، أضف إليها ما يحدث من تغيرات سلوكية لو فقدت المرأة الزوج الذي أحبته لأي سبب من الأسباب، وقد وصمت ولا تزال توصم المرأة بالغدر، والحنث بالعهد من قبل بعض الرجال الذين هم السباقون للبحث عنها والخضوع لها وبعد ما ينالون منها ما يريدون في زواج أو في ما يقابلهم منها من صد ورد وإبعاد يبدأون في البحث عن السلبيات، أو هم الذين يخترعونها، وقد لخص أبو الطيب هذه الحالة في عشرة أبيات غزلية نعتقد أن للمرأة في الماضي والحاضر الحق في محاكمة المتنبي على قوله، ولنترك الحوار لها وله.
|
قال المرأة: يا أبا الطيب ألست القائل:
|
لقد جازَني وَجْدٌ بمنْ جازَهُ بُعْدُ |
فَيا لَيْتَني بُعْد ويَا لَيْتَهُ وَجْدُ |
أُسَرُّ بتجدِيد الهَوى ذِكْر ما مَضَى |
وإنْ كان لا يَبْقى له الحَجَرُ الصَّلْدُ |
سُهادٌ أتانا مِنْك في العَيْن عِنْدنا |
رُقادٌ وقُلامٌ رَعَى سِرْبكمْ وَرْدُ |
مُمَثّلةٌ حتى كأنْ لم تُفارقي |
وَحَتى كأنَّ اليأْسَ مِنْ وَصْلك الوَعْدُ |
وَحَتى تكادي تمْسَحِين مَدامِعي |
وَيَعْبقُ في ثَوْبيَّ مِنْ رِيْحَكِ النَّدُ |
لقد تمنيت يا متنبي أن تكون بعد لتحوز المرأة فتكون معها وتمنيت أن تكون هي وجد لتحوزك وتتصل بك، وأنت تسر وستعد بأن يجدد لك الهوى ذكر شيء قد مضى من أيام وصلك لها، ولذة ذلك التواصل، وإن كان الحجر الصلب لا يبقى لها، تأسفاً عليها، وحنيناً إليها، وصار عندك السهاد رقاد في الطيب من أجلها، ونبت القلام مع خبث رائحته ورد لإبلها، وهي قريبة في خاطرك وفكرك رغم بعدها عنك حتى كادت تعبق روائحها في ثوبك وحتى أنك تتخيل أنها قريبة منك وتمسح دموعك الجارية من خدك، يا متنبي أبياتك هذه هي الدليل عليك بأنك أنت الذي كنت تطارد المرأة: فلما عييت وتعبت من أن تصل إليها قلت:
|
إذا غَدَرَتْ حَسْناءً وَفتْ بعَهْدِها |
فَمِنْ عَهْدها أنْ لا يَدُومَ لها عَهْدُ |
وإن عَشِقَتْ كانتْ أشدَّ صبابةً |
وإن فركتْ فاذْهبْ فما فَرِكَها قَصْدُ |
وإنْ حَقَدتْ لم يَبْق في قَلْبها رِضاً |
وإن رَضِيتْ لم يَبْقَ في قلبها حِقْدُ |
كذلِكَ أخلاقُ النساءِ وربما |
يَضلُّ بها الهادي ويَخْفى بها الرُّشْدُ |
ولكِنَّ حُبا خافَر القلْبَ في الصِّبا |
يَزيدُ على مَرِّ الزّمانِ وَيشْتَدُ |
اسمع ما قلت يا متني: إذا غدرت المرأة الحسناء فقد وفت بالعهد لأن عهدها أن لا تبقى على عهد، والمرأة إذا أحبت وعشقت فهي أشد في الحب من الرجل، وإذا كرهت وأبغضت فهي كذلك أو أشد، فهذه هي أخلاق النساء، والذي يهدي غيره ربما يضل وينخدع بهن ويخفى عليه الرشد فيتلى بهن.
|
المرأة : يا متنبي لم تقل شيئاً عن غدر الرجال، فهم يبدأون بالعشق والرقة وبعد الزواج يتنكرون، وقد يعذبون المرأة، وقد يطلقون ويرمونها كالخرقة بالبالية، ويبحثون عن غيرها، الإنسان هو المرأة والرجل فالذي يفعله هذا قد يفعله ذلك، الرجال يعتقدون أنهم هم المتفوقون على المرأة، ولكن المرأة فيها روح وعقل ووجدان، فمهما كانت رؤية الرجل للمرأة فلن يقدر عن الفكاك منها في خيرها وشرها، فها أنت يا متنبي خامر الحب قلبك وأنت في صباك وظل في قلبك حتى الممات، فالعجب كل العجب منكم أيها الرجال.
|
|