يتحدث الكتَّاب والمنظِّرون - المختصون في شئون التطرف - عن جانب، يعد الجانب الأهم في أنساق التطرف - وهو التطرف الديني - الذي شاع هذه الأيام، وبات مثار جدل، حيث أدى إلى المواجهات المسلحة، في كثير من بلدان العالم.
|
ومن وجهة نظري أن التطرف لا يتوقف على نسق واحد، بل يتجاوز ذلك إلى التطرف بأشكال وأنواع متعددة، منها التطرف المالي ومنها التطرف السياسي، وهو معروف في لغة الساسة، فمنهم يميني متطرف، أو يساري متطرف، وهناك يميني معتدل، ويساري معتدل.
|
أما مجال حديثي خلال هذه السطور، فيتناول التطرف الفني، وهم فئة من الفنانين يؤمنون بنظرية (الفن للفن).
|
هذه الفئة، وهبت حياتها للفن، وأصبح الفن بالنسبة لها هو كل شيء، ولم يعد لديها الاستعداد لعمل أي شيء آخر، هم فئة موجودة في كثير من دول العالم، لكنها تظل قليلة ونادرة، ولهذا ظهر مصطلح يرتبط بهؤلاء الذين يعيشون حياة فوضوية، ويعتقدون أن من حقهم أن يعملوا ما يشاءون في الوقت الذي يريدون، أذن هم (البوهيميون) وهو المصطلح الذي عرف وشاع عن هؤلاء، ومعنى البوهيمية تتلخص في الآتي:
|
البوهيمي: هو أحد مواطني منطقة بوهيميا التشيكية إلا أن المصطلح انتشر بمعنى آخر في فرنسا أولاً في القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أصبح يدل على أي كاتب أو فنان يميل إلى اتخاذ سلوك أو العيش بنمط حياتي غير مألوف، سواء كان هذا سلوكاً واعياً أو غير واع منه.
|
وقد بدأ هذا المصطلح في الظهور في فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر لوصف أولئك المهاجرين الغجر الذين جاؤوا من رومانيا مارين بمنطقة بوهيميا التي تُعرف الآن بجمهورية التشيك.
|
ويستخدم مصطلح البوهيميون اليوم لوصف فنانين يعيشون ويدعون إلى التفكير الحر المطلق غير المقيد محاولة منهم لإضفاء أسلوب خاص في نتاجهم الأدبي أو الفني، لذلك فهم لا يمتثلون في سلوكهم وأعمالهم إلى أعراف المجتمع وتقاليده.
|
انتشرت أفكار البوهيمية عند الشباب بسبب شهرة أعمال الأدباء الذين ارتبطوا بالبوهيمية منذ نشأتها من أمثال هنري موجيه وفكتور هوجو في روايته الذائعة الصيت (البؤساء) التي انبثق منها أكثر من عشرين إلى خمسين عملاً سينمائياً والمسرحية حازت على جوائز عديدة.
|
ولهذا نجد أن مثل هؤلاء انعزلوا عن الدنيا بكل ما فيها، المهم أن يبدعوا فنهم، وأن يمارسوا حياتهم بالشكل الذي يتناسب مع أمزجتهم، طبعاً منهم كتاب، ومنهم سينمائيون ومسرحيون، لكن الأكثر انتشاراً بين هؤلاء هم الفنانون التشكيليون لطبيعيتهم الفنية، وطبيعة ممارستهم لفنهم المرتبطة بالعزلة لأوقات طويلة، مما أدى بالبعض منهم إلى ظهور حالات مرضية أشهرها الأمراض النفسية العصابية.
|
ولو حاولنا عمل مقارنة بسيطة بين المتطرفين (تديناً) وعلى وجه الخصوص الإرهابيون منهم، لوجدنا أن في حياتهم جزءاً كبيراً من البوهيمية وهو الجزء الذي يدعو إلى الانعزال عن المجتمع وأبنائه، والعمل على التقشّف المبالغ فيه، وربما العيش في الكهوف كما يحدث لكثير منهم في جبال تورا بورا في أفغانستان.
|
إذن: التطرف من وجهة نظري لا يقتصر على الجوانب الدينية والمالية والسياسية، بل إنه مرتبط بكافة أشكال الحياة، منها التعصب الشديد للرأي، عدم قبول الرأي الآخر، عدم الشعور بقيمة الآخرين، وتضخم الأنا لدى بعض الأشخاص، أيضاً النزاقة والحماقة أعدها تطرفاً لأن صاحبها إذا حمق خرج عن الشعور وبات متعصباً لرأيه حتى لو أدى هذا الأمر إلى الإضرار به، والجناية عليه تماماً، مع أن البعض يعتبر أن الحماقة أحد الأمراض الشائعة في مجتمعاتنا، لكنها تظل من الأمراض العصية التي ليس من السهل علاجها، يقول الشاعر:
|
لكل داء دواء يستطب به |
إلا الحماقة أعيت من يداويها |
نسأل الله السلامة من كل هذه الأدواء..
|
|