حين تنتهي أخيراً الاضطرابات الجارية المحيطة بالانتخابات الإيرانية فمن المرجح أن يستنبط الغرب من هذه الأحداث حكماً مبسطاً يدل على ضيق الأفق: لقد فاز الأشرار، ولا شك أن الغرب فعل الصواب بدعم الأخيار، أو المشاركين في احتجاجات الشوارع بطبيعة الحال. ومن ثَمَّ فإن الغرب لا يتحمل أي مسؤولية عن النتائج.
إن المأساة في هذا النوع من التفكير هي أنه لا يسمح بأي تعقيد أخلاقي أو سياسي أو بأي اختلاف في الرأي، ولو كان بسيطاً، ولكن هذا هو المطلوب على وجه التحديد إن كنا راغبين حقاً في حل المشاكل العديدة المحيطة بإيران. فضلاً عن ذلك، ومع بقاء محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران، فلا شك أن الغرب سوف يلجأ مرة أخرى إلى طريقته المعهودة في التعامل مع الأنظمة غير الودية: فيفرض المزيد من العقوبات. ولكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى مأساة أعظم.
إن الدرس الواضح الوحيد الذي نستطيع أن نخرج به من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها هو أن البلاد تتمتع بمجتمع مدني يتسم بالحيوية والنشاط. إن العديد من الإيرانيين الشجعان كانوا على استعداد للمخاطرة بأرواحهم دفاعاً عن معتقداتهم. ولا شك أن قدرتهم على القيام بهذا تؤكد أن إيران ليست دولة استبدادية مغلقة مثل كوريا الشمالية. وعلى الرغم من استمرار حكم المؤسسة الدينية لسنوات طويلة (أو ربما لهذا السبب بعينه) فقد ظلت العقول الإيرانية منفتحة وميالة إلى المشاركة.
لذا فإن الأمل حقيقي في أن تتغير إيران وتحدث نفسها وأن تنفتح على العالم كما انفتحت بقية آسيا. وعلى هذا فإن الإستراتيجية الوحيدة الصالحة التي يمكن تبنيها على المدى البعيد تتلخص في الكف عن محاولات عزل إيران واللجوء بدلاً من ذلك إلى دفع الإيرانيين إلى المزيد من المشاركة مع آسيا الحديثة.
وبالمثل، يتعين على الغرب أن يبحث عن سبل لإعادة التواصل مع المجتمع الإيراني، ولا شك أن غياب العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة يشكل عقبة كبرى تحول دون تحقيق هذه الغاية. إن السياسة الخارجية الأمريكية تفترض أن العلاقات الدبلوماسية مع إيران تقوم بشكل أو آخر على القبول. والواقع أن العكس تماماً هو الصحيح. ذلك أن الدبلوماسية اختُرِعَت تحديداً بهدف تمكين قيام العلاقات بين الخصوم وليس الأصدقاء. فلا أحد يحتاج إلى الحصانة الدبلوماسية لكي يتحدث مع أصدقائه، بل إنه سوف يحتاج إليها حين يتحدث مع خصومه أو أعدائه. ومما يدعو إلى الأسف أن كل الساسة الأمريكيين لا يبدون أي استعداد لشرح هذا الحس السليم للرأي العام الأمريكي.
ومن الممكن أن تتعلم الولايات المتحدة أيضاً من أمثلة أخرى. لقد صفق العديد من الأمريكيين للرئيس المصري أنور السادات لشجاعته السياسية حين زار القدس منذ ثلاثة عقود من الزمان - وهو القرار الذي دفع حياته ثمناً له في نهاية الأمر- رغم المعارضة الشديدة من جانب أغلب المصريين.
ومن المفيد أن نتذكر كلمات الرئيس ريتشارد نيكسون حين زار بكين قبل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الصين: (كنا في بعض الأحيان أعداءً في الماضي. واليوم هناك خلافات كبيرة بيننا. وما يجمع بيننا هو مصالحنا المشتركة التي تتجاوز هذه الخلافات. وفي حين نناقش خلافاتنا فلن يتنازل أي طرف منا عن مبادئه. ولكن رغم أننا قد لا نستطيع إغلاق الفجوة بيننا تماماً فإننا قادرون على إقامة جسر يمكننا من الحديث عبرها).
في التواصل مع إيران، يتعين على الغرب أن يتجاهل طبيعة نظامها. إذ يكاد يكون من المستحيل بالنسبة لأي طرف من الخارج أن يفهم الديناميكيات السياسية الداخلية الحقيقية في إيران. فما كاد العالم يتوصل إلى إجماع مفاده أن أحمدي نجاد ليس أكثر من أداة بين أيدي المرشد الأعلى آية الله خامنئي، فإذا بنا نجد أحمدي نجاد وقد عين نائب رئيس ضد رغبة خامنئي (وإن كان قد تراجع عن تعيينه في وقت لاحق). وما نعرفه الآن على وجه اليقين هو أن النظام الإيراني منقسم.
وهذه الانقسامات من شأنها أن تسمح بنشوء قوى جديدة في المجتمع الإيراني. لذا فلابد من البحث عن كل السبل الممكنة للوصول إلى المجتمع الإيراني على كافة مستوياته. ولابد من تشجيع الطلبة الإيرانيين على زيارة الجامعات الآسيوية والدراسة فيها، حيث سيتبين لهم مدى ثقة الطلاب الصينيين والهنود في المستقبل - وهذا من شأنه أن يدفعهم إلى التأمل في الأسباب التي تمنع الشباب الإيرانيين من التحلي بنفس القدر من التفاؤل.
وهناك سبب أخير لابد وأن يدفع الغرب إلى تغيير مساره وهو أن العقوبات الغربية أثبتت على نحو متزايد عدم جدواها. إن 12% فقط من سكان العالم يعيشون في الغرب، وأسباب القوة تتراجع الآن بشكل مطرد بعيداً عن الغرب. والواقع أن القرار الذي اتخذته حركة عدم الانحياز (التي تضم عضويتها 118 دولة) في يوليو - تموز 2009 بعقد اجتماعها القادم في طهران يشكل استعراضاً واضحاً لنظرة الشعوب غير الغربية لإيران. وإذا أصر الغرب على الاستمرار على مساره الحالي، فلن يجديه هذا أي نفع، باستثناء شعور زعماء الغرب بالرضا عن أنفسهم. ولكن أي الحالين أفضل في نهاية المطاف: فعل الخير أم مجرد الشعور بالرضا عن الذات.
خاص «الجزيرة»