القاعدة الأولى والنظرية الأهم في الأسواق المالية هي أن (لا تخسر أموالك)، أما القاعدة الثانية فهي (أن لا تنسى القاعدة الأولى) هذه الجملة التي قالها (ورن بافيت) أعظم مستثمر في العالم ليست (صف حكي) أو كما ذكره أحد الكتاب بأنه (فسر الماء بعد جهد بالماء)، ولكنها قاعدة هامة جدا لمن يعيها بأذن واعية وخصوصا (الجزء الثاني منها)، فتفادي الخسارة في الأسواق المالية أهم من تحقيق الأرباح، ومصائب الخسارة أكبر من الخسارة نفسها ماديا ومعنويا، إضافة إلى أن العلاقة بين الخسارة والربح اللازم لتعويضها علاقة طردية، فكلما زادت نسبة الخسارة تضاعفت نسبة الربح اللازم لتعويضها، فإذا خسرت 50 في المئة فأنت بحاجة إلى أن تكسب100 في المئة لتعود كما كنت عليه لرأس مالك، وبفرض أنك فعلا استطعت تحقيق 100 في المئة وعدت لرأس مالك السابق فإنه في الغالب تكون انتهت دورة الصعود في السوق وعليك انتظار دورة جديدة للصعود، وهنا تكون خسرت وقتك وطاقتك أيضا، فمعروف لدى المتداولين في أسواق المال أن الخسارة وفوات الربح يستنفذان طاقة المضارب وتؤثران عليه بقرارات خاطئة وغير محسوبة، وليكون هذا مثالا عمليا؛ فمن قرر شراء سهم (سابك) بسعر 250 ريالا في مطلع عام 2006م خسر 68 في المئة حتى بداية عام 2007م ليصل سهم (سابك) لسعر 80 ريالا، وعلى الرغم من أن السهم ارتد من هذا المستوى ليكسب 125 في المئة وصولا إلى 180 ريالا، إلا أن السهم بقي له أن يكسب 95 في المئة حتى يعود لرأس المال عند 250 ريالا وهو ما لم يحدث، وبعد أن وصل السهم إلى 180 ريالا انتهت دورة الصعود وهبط السهم حتى أسعاره الحالية، وليعود (صاحبنا) إلى رأس ماله فقط يحتاج إلى أن يكسب أكثر من 500 في المئة حتى يعود فقط إلى رأس ماله قبل ثلاث سنوات، وهناك الكثير من الأسهم على نفس الحالة إن لم تكن أسوأ.
ومن ناحية المستثمر نجد أيضا أن من عواقب الخسارة أنها تخسف بأرباحك المستقبلية؛ فعندما تستثمر 100 ألف ريال لمدة 15 سنة بربح 20 في المئة سنويا سوف تكون لديك ثروة بعد 15 سنة تقدر بنحو 1.3 مليون ريال، ولكن إذا خسرت 70 في المئة في أول فترة استثمارك كما حصل مع من دخل السوق السعودي في أحد انهياراته خلال السنوات الثلاث الماضية، ليصل رأس المال (قبل البداية) إلى 30 ألف ريال بحيث يكون بعد استثمار 15 سنة بربح سنوي 20 في المئة نحو 380 ألف ريال والفارق كبير بينها وبين 1.3 مليون ريال.
فالمثال الأول للمضارب والمثال الثاني للمستثمر يوضحان أن الخسارة في سوق المال مركبة، وأن المحافظة على رأس المال أهم من تحقيق الأرباح، وبالطبع فالأمر ليس بهذه السهولة بتحديد وقت الدخول والخروج ودورات السوق، ولكن الملاحظ على المتداولين في السوق عدم الاهتمام بموضوع الخسارة وأوامر وقف الخسارة والتي هي من أهم شروط النجاح في الأسواق المالية، وتجد أن الكثير من المتداولين يتعجلون في الدخول للسوق رغم أن معطياته من تحليل مالي وفني تخالف ذلك، ولتوضيح أهمية وقف الخسارة نفرض أن متداولا قرر وقف خسارته عندما خسر في أحد الأسهم 20 في المئة فهو بحاجة إلى تحقيق ربح 25 في المئة لتعويض خسارته، ولكن إن كان المضارب غير ملتزم بأوامر وقف الخسارة ووصلت نسبة خسارته إلى 70 في المئة فهو بحاجة إلى أن يكسب 234 في المئة لتعويض خسارته والعودة لرأس ماله فقط، وهذه النسب توضح أن فائدة أوامر وقف الخسارة أيضا طرديه، فكلما كان وقف الخسارة قريبا قلت نسبة التعويض، وكلما بعد أمر وقف الخسارة زادت النسبة المطلوبة لتعويض رأس المال.
والأهم هنا هو أن تكون قرارات وقف الخسارة بناء على تحاليل مالية أو فنية وليست اعتباطية، فوقف الخسارة سلاح ذو حدين؛ فإن لم يكن أمر وقف الخسارة ناجحا أدى إلى تحويل الخسارة غير المحققة إلى خسارة محققة، ونتج عنه عودة السهم أو السوق إلى مستويات مرتفعة دون فائدة، فيجب أن تكون أوامر وقف الخسارة مدروسة جيدا وقابلة للتعديل تحت متغيرات أسواق المال السريعة.
* عضو جمعية المحللين الفنيين الأمريكية
faisal@fharbi.com