لقد طالعتنا وسائل الإعلام المحلية خبراً مؤسفاً وعملاً إجرامياً مشيناً قام به أحد الإرهابيين من أفراد الفئة الضالة الذين أغواهم شياطين الإنس والجن وزينوا لهم سوء أعمالهم، وذلك عندما دخل أحد أفرادهم على صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز
زاعماً تسليم نفسه لكنه أراد في الحقيقة أمراً خطيراً وجرماً عظيماً وسعى سعياً حثيثاً للاعتداء على الأمير وقتله!! ولكن الله سلم الأمير وحفظه من كيد ذلك المجرم وجعل كيده في نحره { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.
وحول هذا العمل الإجرامي الخطير لنا وقفات:
الوقفة الأولى: أن هذا المجرم الذي فجر نفسه واحد من أفراد الفئة الضالة الخوارج وهي طائفة ضالة ترجع أصولها إلى ذي الخويصرة رافع راية الخروج على خير البرية صلى الله عليه وسلم عندما قال له: (اعدل يا محمد فإنك لم تعدل) فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال (ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن اعدل) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال (معاذ الله أن يتحدث الناس إني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية) رواه مسلم. والخوارج كما جاء في حديث آخر يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان بل انهم قتلوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك فعلتهم بخباب رضي الله عنه عندما قالوا له من أنت؟ قال: أنا عبدالله خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم، قالوا: لا روع عليك، حدثنا عن أبيك حديثاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعنا به، فقال: حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيه بدنه، يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمنا!! قالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيراً، قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال: إنه كان محقاً في أولها وفي آخرها، فقالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنه اعلم بالله منكم، وأشد توقياً على دينه وأنفذ بصيرة، فقالوا له: لنقتلك قتلة ما قتلناها أحداً، فأضجعوه ثم ذبحوه من قفاه، وأخذوا امرأته، وكانت حاملاً متماً فبقروا بطنها، وقتلوا وليدها.
الوقفة الثانية: إن هؤلاء المنتحلين للفكر الخارجي باقون إلى قيام الساعة حتى يخرجوا مع الدجال كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولكن هذا الأمر لا يمنع أهل الحق من مدافعتهم وكشف شبههم عملاً بقول الله تعالى: { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، والنبي صلى الله عليه وسلم مع إخباره بوجودهم وبقائهم فإنه أمرنا بمحاربتهم وقتلهم وقال عنهم لأقتلنهم قتل عاد.
الوقفة الثالثة: لقد جاء الإسلام بالوعيد الشديد في قتل الأنفس المعصومة من مسلم أو ذمي أو معاهد أو مستأمن كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما).
وأفراد الفئة الضالة لم يستحلوا فقط الدماء المعصومة المعاهدين والمستأمنين وإنما أوصلتهم نفوسهم الشريرة إلى استحلال دماء المسلمين الذين يشهدون ان لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وهم بذلك يضربون النصوص عرض الحائط التي جاءت بالتحذير من قتل المسلم وسفك دمه كما في قوله تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وفي الحديث: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم) رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني.
الوقفة الرابعة: إن من أساليبهم التي يستخدمونها لتحقيق مآربهم في قتل الآخرين وضع الأحزمة الناسفة حول أجسامهم أو زرع القنابل في أجسامهم ليقتلوا أنفسهم ويقتلوا من حولهم ممن يريدون قتله، وهم يظنون أن أفعالهم الإجرامية تلك من قبيل الشهادة وهي في الحقيقة انتحار وجريمة وهي خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} وقال سبحانه { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
الوقفة الخامسة: إن هذا الحادثة تؤكد لنا ما يحمله هؤلاء المجرمون من أنفس شريرة وأخلاق دنيئة ولا سيما أنهم خططوا لتنفيذ هذا العمل الإجرامي في شهر عظيم شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين فليس يبالوا بشرف الزمان كما أنهم في جرائمهم السابقة لم يبالوا بحرمة المكان كمكة والمدينة وهم أيضاً لم يبالوا بالأمير الإنسان الشهم محمد بن نايف الذي عاملهم بالحسنى ولجان المناصحة وإعادة التأهيل وبرامج الرعاية ودعمهم مادياً ومعنوياً ومع ذلك كله قابلوا الإحسان بالإساءة كما في صنيع ذلك المجرم المنتحر الذي فتح الأمير له باب بيته ومكتبه ولم يأمر بتفتيشه ترغيباً له في الرجوع والتوبة وتأليفاً لقلبه ومع ذلك فعل فعلته الآثمة لأنه من قوم مجرمين تأصل في نفوسهم الشر وتغلغلت في عروقهم أساليب الغدر والخيانة وصدق فيهم قول الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}.
الوقفة السادسة: إن هؤلاء المجرمين الخارجين من أفراد الفئة الضالة لا يستهدفون الأمير محمد بن نايف فقط وإنما يستهدفون بالقتل والاغتيال كل من لم يوافقهم على أفكارهم المنحرفة وتأويلاتهم الباطلة وهم يسيرون بذلك على قاعدة إن لم تكن معي فأنت ضدي بل انهم وضعوا بعض كبار العلماء ضمن الشخصيات المستهدفة في القتل والاغتيال لأنهم كشفوا عوارهم ودحضوا شبههم ووقفوا بالمرصاد ضد أفكارهم.
وبعد هذا كله فإن من الواجب علينا كل حسب مسؤوليته وموقعه التيقظ لهؤلاء المجرمين ومحاربة أفكارهم الفاسدة والحزم مع كل واحد يحمل تلك الأفكار أو يتعاطف مع أصحابها وأن نسعى سعياً حثيثاً لمعالجة المشكلة من جذورها حتى لا تظل شجرة الإرهاب مثمرة كلما سقطت ثمرة خبيثة جاءت ثمرة أخرى مكانها وان نسعى في تطبيق سياسة تجفيف منابع الإرهاب إذا أردنا محاربة الإرهاب وأما هذه الحادثة فهي لا تزيدنا إلا تلاحماً مع ولاة أمرنا والوقوف معهم صفاً واحداً أمام المجرمين المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
والله الهادي إلى سواء السبيل..
*مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية