نقل بيان عن مركز (سايت) الأمريكي لرصد المواقع الإسلامية على الإنترنت، عن تبني تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المسؤولية عن الاعتداء الذي استهدف - مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية - الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز.. هذا البيان وإن لم يتم التثبت منه حتى هذه اللحظة، إلا أن تلك الحادثة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أن المتعاطفين مع الفكر القاعدي عددهم غير قليل، وأنهم ساهموا - وبدعم من بعض الأصوات في الخارج - بتوفير الدعم (اللوجستي) لتلك العناصر الإرهابية.. كما يندرج ذلك في سياق العمل النوعي الجديد المُعتمد من قبل أفراد القاعدة في المملكة العربية السعودية، عبر توفير أماكن آمنة للتنقل والاختباء وشراء المعدات التي تستخدمها تلك الخلايا الإرهابية، وتوفير التمويل لنفسها عن طريق الخداع، والسلاح عن طريق التهريب.
وتؤكد الرسالة التي وجهها منظر التكفير: أيمن الظواهري، قبل محاولة الاغتيال الفاشلة بساعات، على أن التنظيم يعتزم تنفيذ اغتيالات لشخصيات وطنية وأمنية.. كما يؤكد على عقلية التنظيم المتشبعة ظلامية ودموية وحباً في القتل والخراب، ولتحقيق توجهات تخدم عناصر الإرهاب.. فكانت تلك المحاولة الفاشلة صدمة - ولا شك - للمتابعين لملف الإرهاب، والذي أعلن عن نفسه في هذه المرة في أبشع صوره، وبدقة متناهية.. فشكَّلت تلك الحادثة سابقة مفزعة في تاريخ الدولة السعودية.
وبغض النظر، إن كان منفذ محاولة الاغتيال الفاشلة هو أحد المطلوبين الأمنيين في قائمة ال (85) الإرهابية، التي أعلنتها وزارة الداخلية في الثامن من فبراير الماضي، أو أنه له صلة بمجموعة ال (44)، التي أعلنت السلطات السعودية عن ضبطها - قبل أيام -، أو أنه ليس من الذين دونت أسماؤهم على قوائم وزارة الداخلية، فإن تلك المحاولة تعبر بكل وضوح عن حالة اليأس التي باتت تعاني منها تلك الجماعات الإرهابية، وأنها تذهب إلى أبعد مما يتصوره البعض في طريق الهلاك، فهي في النزع الأخير من مراحل مسلسلها القذر بعد أن وجدت المنافذ مغلقة عليها.. ولعل الضربة الأخيرة والناجحة في اصطياد رؤوس كبيرة مما يُسمى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لا يُقدر بثمن، ولا يمكن تقدير الإنجاز الأمني وهو يكتب صفحة نصر في تعقب أرباب الفكر الضال لتلك الخلية، وتسجيل رقم جديد في مكافحة الإرهاب، وضرب معاقل الظلام وقادة الفئة الضالة.
لن أقف كثيراً عند اعتراف - سمو الأمير - محمد بن نايف بن عبدالعزيز، بتحمله المسؤولية في الخطأ عند عدم تفتيش الانتحاري قبل السماح له بالاقتراب منه، فصورته الإنسانية أبعد من ذلك بكثير، تحمل في طياتها دلالات عميقة في تعامله مع الخارجين عن القانون، وفي طريقته التي تحمل كثيراً من الرأفة والرحمة والعطف.. فهو الذي فتح بابه للعائدين إلى رشدهم، ومد يده إليهم ليعودوا إلى دينهم ووطنهم، فكان علي بن عبد الرحمن الفقعسي أول مطلوب أمني يسلم نفسه شخصياً للأمير، وحلَّ بعده سعد بن ظافر الشهري ثانياً، وغيرهما كثير ممن سلَّم نفسه للأمير شخصياً.. وهو الذي شاركهم في حفلات زواجهم، بل سمح لهم بمشاركة عائلاتهم في مناسبات عديدة، كزيارة مريض، أو تقديم عزاء، إضافة إلى رعاية أسرهم.. كل ذلك من أجل أن يحوِّلهم من فكرهم الضال إلى فكر إسلامي معتدل، وصهرهم في المجتمع ليكونوا أعضاء صالحين فيه.. فقابل إساءتهم بإحسان، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
كتبت - قبل أيام - أن خطر الإرهاب ما زال قائماً، كما صرح بذلك - النائب الثاني ووزير الداخلية -.. فتنظيم القاعدة يعمل على تطوير خططه وتكتيكاته طوال تلك السنوات، ولا يزال قادراً على تحقيق اختراقات لاستدراج الشباب، والقيام بعمليات إجرامية لاغتيال الوطن ورموزه، وتدمير مكتسباته.. مما يستلزم التنبيه إلى ضرورة مراجعة الخطة الإستراتيجية الوطنية في مواجهة الإرهاب، وحماية أمننا القومي الوطني لاجتثاث الفئة الضالة، بعد أن خسروا جولتهم التي اعتقدوا بأنه من السهل تنفيذها.وبينما أصل إلى نهاية المقال ولم أضع قلمي بعد، وصلتني رسالة عبر جهاز الجوال يتطابق مضمونها مع ما كتبته، أكدت لي أننا لا نكتب من فراغ، بل من إجماع شعبي يؤكد على أهمية التصدي لهذا العنف، لإبطاله نظرياً وتطبيقياً، بعد أن ثبت أن تطبيقاته على أرض الواقع منتكسة، تناقض الفطرة السوية والمعتقد الحق والعقل الصحيح.. تقول الرسالة: استهداف الرموز من قادة هذه البلاد وعلمائها، يدخل البلاد في متاهات دخلت فيها بلاد أخرى ولم تخرج بعد.. ومن هنا يجب أن يكون الموقف واضحاً بإدانة هذا الاعتداء، دون استخدام أي لغة مخففة، أو غامضة.. حيث اجتمع في هذا الاعتداء قواسم من الغدر, وخيانة العهود، والكذب، واستهداف أرواح معصومة، وتغرير بشباب، وإفساد في الأرض.. ونصوص الكتاب والسنة صريحة في تحريم مثل هذا العمل، وبيان عظم ذنب مرتكبه.
drsasq@gmail.com