لستُ ممن يؤمن بأن التأريخ يعيد نفسه، إلا أنَّه ربما ساورني العجب من بعض الموافقات والمقاربات المتكررة في أحداث معينة، ومن ذلك حادثة اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من قبل أحد العبَّاد في زمانه والذي ينتمي إلى طائفة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،حتى هزمهم لعلمه بخطورتهم وخطورة فكرهم المنحرف على الأمة...
...وتنفيذا لتوجيه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في مقاتلتهم، فأراد هذا الضَّال المدعو عبد الرحمن بن ملجم بالثأر لمن قُتِل من إخوانه الخوارج فقَتَلَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أثناء خروجه لصلاة الفجر، وقد كان تنبأ بهذه الحادثة الرسول عليه الصلاة والسلام لشناعتها وضلال من قام بها وقد ساق ابنُ كثير رحمه الله الأحاديث الواردة فيها، ومن ضلال هذا المعتدي أنَّ المسلمين حين أرادوا قتله قصاصاً لم يعتذر عن فعلته الشنيعة بل إنه قد روي أنَّ عبد الله بن جعفر قطع يديه ورجليه وهو مع ذلك يقرأ سورة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) إلى آخرها ثم جاءوا ليقطعوا لسانه فجزع وقال: (إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها)، ثم قطعوا لسانه ثم قتلوه.
انظر إلى أي مدى وصل الانحراف الفكري بصاحبه وهو على ما كان عليه من التأله والتعبد، وتأمل في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
إذا ما نظرنا إلى هذه القصة التأريخية وتم مقارنتها بما وقع لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وهو يؤدي عمله في موقع المسؤولية وقد كان ولا يزال الرجل الذي عُرف عنه وقفته الشجاعة ومحاربته الدءوبة لكل أشكال الانحراف الفكري والعقدي، وما تعرض له من الاعتداء من قبل أحد الضالين الذي حاول قتل نفسٍ بريئة بل أنفس لا لشيء ولا لتحقيق هدف بل للإفساد في الأرض وفي أغلب الظن على صورة انتقام بغيض لإخوانه الهالكين لهو تكرار بطريقة أو بأخرى لما وقع لأمير المؤمنين مع الخارجي عبد الرحمن بن ملجم، ومن العجائب أن الظرف الزمني في الحالتين واحد إذ وقعت الحادثتان في شهر رمضان المبارك ومعلوم ما لهذا الشهر من فضل عظيم ورحمات تتنزل من قبل رب العباد ينبغي أن يستشعر بها كل من وقر الإيمان في قلبه، والجدير بالذكر أنه قد نصَّ أهل العلم على أن الذنوب والمعاصي تتعاظم في الظروف الفاضلة ومنها شهر رمضان المبارك، ثم مع كل ذلك يقدم هذا المنحرف بعمل شنيع وهو الإقدام على سفك الدماء بإهلاك النفس وصدق الله العظيم حين قال: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)
وختاماً أوجه نصحي لكل من ابتلي بمعرفة أحد هؤلاء بأن لا ينساق خلف معسول كلامهم الذي ينطلق من متشابه القول رغبة في تعمية الأمور على من يجهل التعامل مع النصوص الشرعية ولديه العاطفة الجياشة في جزيل أجر رب العالمين، وليتمسك بالمحكم من النصوص الشرعية والقواعد الثابتة والتي تأتي في مقدمتها تحريم قتل الأنفس التي حرم الله إلا بالحق وأنَّ انتهاك حرمتها من أكبر الكبائر، كما يجب على كل مسلم يعلم عن أحد هؤلاء شيئاً أن يعمل بالمبدأ الإسلامي الكبير (الدين النصيحة) وتكون النصيحة للأمة بأن يبلغ عن هؤلاء المفسدين في الأرض ليتم تدارك شرهم قبل أن يقع ضررهم على الأبرياء الغافلين.
وكيل قسم العلوم الإنسانية بكلية الملك خالد العسكرية
وأستاذ الدراسات الإسلامية المساعد
subait@yahoo.com