في مقابلة صحفية مطولة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز نشرتها جريدة الرأي الكويتية منذ عدة أيام قال فيها رداً على وصف الكيان الصهيوني بالعنصرية والدموية والقتل: (إن كل ما قتلناه نحن الإسرائيليين منكم - أيها العرب - في كل حروبنا معكم لا يشكل نسبة ضئيلة بالمقارنة مع قتلكم لبعضكم البعض (!!) هذا القتل الذي لم يزل مستمراً حتى اليوم (في العراق وفي الجزائر، وفي لبنان، وفي اليمن، وفي السودان وما تفعله القاعدة من تفجيرات في عدة بلدان عربية أخرى!!.. بالطبع هذا كلام يشعرنا بالخزي والعار لاسيما حينما يأتي من عدو أزلي (يشمت) بنا ولا نملك إزاء ذلك إلا طأطأة الرؤوس والالتجاء إلى الصمت ونكش) التراب بذؤابات السيوف (!!) كما يفعل أي قائد مهزوم.
وبالطبع تذكرت ذلك وأنا أصغي إلى أحد مشايخنا الأفاضل وهو يتحدث عبر الأثير من إذاعة القرآن الكريم عن حوادث المرور إذ قال عافاه الله وعفا عنه: إن قتلى حوادث المرور في المملكة أكثر من شهداء غزة في الاجتياح الإسرائيلي الهمجي الأخير لها فشعرتُ بالحزن الذريع لهذا المؤرخ (المجاني) الذي يحصد شباب وطنهم بأمس الحاجة إليهم وبلا مبرر بل يمتد إلى إزهاق أرواح آخرين من أبناء وطنهم كل ذلك بسبب الرعونة والتهور واللامبالاة.
ونحن إذ نربط (تشفّي) أحد رموز العدو (بناء) و(حزن) أحد مشايخنا الأفاضل (علينا) فإننا في الحالة الأولى نفهم أن حصد الحروب للأرواح تقع بسبب عداوات تاريخية أو سياسية وأن المحاربين فيها يحملون أسلحتهم وهم على أتم الاستعداد للقتال وجهاً لوجه حتى لو وصل الأمر إلى حرب الشوارع وبالسلاح الأبيض فإن لم تقتل (تُقتل) وهذا كل ما في الأمر.
أما في الحالة الثانية فنحن لا نفهم لا يحصد آخرون أرواح آخرين (بلا عدوات لا تاريخية ولا سياسية ولا توسعية ولا حتى أي خلافات مسبقة أصلاً ودون استعمال أي نوع من السلاح إلا أن كلتا الحالتين تؤديان إلى الموت الذريع، وهما حينما يستمران في استشراء الشراسة ويصلان إلى المواجهة الفردية فهما يأخذان (تصنيفاً) واحداً موحداً (بشعاً) ألا وهو (حرب الشوارع)، فالقتلى في الحالة الأولى يسقطون في الشوارع بسبب الحرب، والقتلى في الحالة الثانية يسقطون في الشوارع بسبب (الحوادث) المرورية.