نحن من الأمم التي يكتب كتابها ويتحدث أهلها كثيراً عن السحر والسحرة والشعوذة والمشعوذين، رغم أننا نعرف أن عدة هؤلاء السحرة غالباً ما تكون عدة فلكلورية بسيطة، كما نراها في المسلسلات والأفلام (خصوصاً العربية) هذه العدة تتكون عادة من لحية طويلة معفاة من القص والتسريح والنظافة ومع هذه اللحية سبحة كلما طالت زادت قيمة الساحر وحبذا لو كانت العينة مثل التي رأيناها في مسلسل (باب الحارة) وهناك العصا التي يتوكأ عليها الساحر بفضل أن تكون طويلة ومعروجة مأخوذة من شجرة حلفاء وبنية خالصة مع عمامة تلف على الرأس قد يكون طولها ثمانية أمتار طولاً ومتر واحد عرضاً، وعلى الوجه مسحة من السماحة إياها حتى لو كان الوجه من عجينة بلاستيكية!!
أما المرأة الساحرة فهي عادة تتميز بضحكة تشبه ضحكة الأطفال وفكها أسنانه متباعدة، واحد مقلوع والآخر ثابت وعلى أسنانها مسحة من السواد ربما لأنها تستخدم مسحوق الفحم في تنظيف أسنانها أما جسمها فغالباً ما يكون مثل جسم مارادونا لاعب الأرجنتين الذائع الصيت، قصير ومدور ومعكوك على الآخر.
وفي مقر الساحر أو الساحرة مجمرة كبيرة يتصاعد منها البخور على الدوام وكلما انتهى زودت المجمرة بكمية وافرة حتى تغرق الغرفة في الغبار أو الضباب ما يعطي لطالب السحر أو المسحور جواً مهيباً، يجعله يرخ بكل ما في صدره وأحياناً يكون قد أفرغ صدره لمندوب الساحر ظناً منه أنه زبون مثله فلا يدخل إلى الساحر إلا وكل أسراره قد استقرت والطلبات لفك السحر كثيرة من الخرفان والديوك إلى النقود.. والمصيبة أنك بعد هذا الرواج لهؤلاء السحرة الصغار لا نجد أحداً منهم أصبح مليونيراً بحيث يتمكن من السكن في قصر وإحضار جهاز وظيفي وحشم وخدم، هناك من يقول إن المال الحرام لا يدوم خصوصاً ما يأتي عن طريق السحر ولا ندري هل تدوم أيضاً أموال أناس يعملون في مهن أقذر خصوصاً الدعارة والمخدرات.
خرجت عن الموضوع كثيراً رغم أنني نويت أن أصل إلى زبدة ما أراه، لكنني عجزت على ما يبدو وربما خشيت أن أقع في الشطط، لكنني مع ذلك سألت نفسي هل جرب أحد من الكتاب أن يجري حواراً ذاتياً مع ساحر أو ساحرة، كيف نشأ، ما هي آماله وأحلامه، مقدار ثروته، حبه أو كرهه للناس أو فئة منهم، هل وراء مهنته قصة أو هو مجرد مغامر تتلمذ على كتاب شمس المعارف الكبرى مثلما يتتلمذ خريج الثانوية على كتب رياضيات أو علوم المرحلة الثانوية أو المتوسطة ثم يضع في بيته بسطة يستقبل فيها الطلاب الراغبين في الدروس الخصوصية. كل ما وجدته للأسف صور للسحرة وأمام الواحد منهم المضبوطات أوراق طويلة تذكرني بمعادلات مادة الجبر التي درستها واختبرت فيها دون أن أفهم منها شيئاً!!
إن تسليطنا الأضواء على هذه الفئة الهامشية من الناس، جعلهم يعتقدون أكثر في قدراتهم حتى فكر بعضهم في عمل سحر جماعي لموظفي مؤسسة مالية كبيرة للاستيلاء على موجوداتها من النقد والسبائك الذهبية، وقد قيل إن سحرهم أبطل وألقي القبض عليهم ومعهم عملهم الأسود.. ولا أدري حتى الآن لماذا لا تمتد أعمالهم إلى البنوك الكبيرة العامرة بمليارات الريالات والدولارات وإذا كان السحر لا ينفذ في لحم البنوك فإنه بالتأكيد قد ينفذ في لحم هوامير العالم من بول غيتس حتى بافيت وأوبرا بوفيري، وغيرهم كثير من رجال المال والأعمال العرب الذين يكدسون الملايين دون أن يتأثر أحد منهم بعين حاسد أو مشعوذ.. هؤلاء وحدهم هم الرهان الأكبر لكتيبة السحرة التي لم تعد ترضى بسيدة غلبانة تأخر حملها أو شاب بائس تأخر تخرجه أو بيت منكور بفعل أب عاطل أو أم نؤومة الضحى، فهذه الفئات من الناس المكسب منها لحم خروف ومائة ريال، أما المذكورون أعلاه فحلالهم بين أيدي ساحريهم.
والسؤال مرة أخرى: هل لو استطاع ساحر السيطرة على موظفي مؤسسة مالية أو رجل أعمال سوف يكتفي ويعتزل ألاعيبه الشيطانية؟ بالتأكيد لا.. فالزمار يموت (كما يقولون) وأصابعه تلعب! لكن ما يميته حقاً هو الصمت عنه لنهتم بأشياء أجدى!!
فاكس 012054137