لم تكن محاولة الاغتيال التي تعرض لها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، حدثاً عادياً كأي جريمة ترتكب، بل كان غريباً وحقيراً ومستهجناً، على مختلف المستويات، ومن كافة قطاعات المجتمع، ومن المواطنين والمقيمين على حد سواء، بل مكان استنكار عالمي، ويعكس ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية، وذلك نسبة لاستنكار العالم لمبدأ الإرهاب كظاهرة تتنافى مع القيم الإنسانية، وأن من ينتمون إلى التنظيمات التي تمارس الإرهاب هم أناس يفتقدون الإحساس الآدمي ويعيشون في جزيرة معزولة عن الإنسانية بمعانيها السامية ومشاعرها وقيمها التي تجعل للإنسان كرامة، وقد كرمه الله تعالى وأمر بتكريمه وحرم ماله ودمه وعرضه.
الظاهرة رغم أنها غير مستبعدة ولا مستغربة ممن انتهجوا أسلوب تصفية الآخرين وتكفيرهم وعشقوا الدماء والقتل والتفجير وترويع الآمنين من صغار وكبار ونساء، وممن انتهكوا الحرمات وضربوا المنشآت، لكنها تحمل العديد من الدلالات، من أبرزها أن الفئة الضالة رغم أنها تمر بمرحلة الاحتضار إن لم تكن الموت الحقيقي، ورغم الضربات الموجعة التي أفقدتها صوابها ووعيها وأعصابها وبصيرتها، لكنها كانت تدرك أن الذي يقف وراء دك حصونها وزلزلة أركانها وتدمير قوتها وتمزيق شباكها هو الأمير محمد بن نايف مستنيراً بهدي الله عز وجل ثم بتوجيهات صاحب السمو الملكي وزير الداخلية، ووفق خطة القيادة الحكيمة في تجفيف منابع الإرهاب وتصفية جيوبه في المملكة.
العمل الجبان الذي قام به الانتحاري الذي هلك قبل أن تنجح محاولته الآثمة، يؤكد أن عقلية الغدر والخيانة لم تفارق من انتهج أسلوب القتل والدمار والإجرام مهما امتدت إليه يد العفو، ومهما أرادت القلوب الحانية أن تنتشله من وهدة الضياع، ومستنقع الفساد في الأرض إلى مساحات العفو والتسامح وإلى طريق التصحيح، ومن ظلمات الضلال والتيه إلى نور الرشاد والعقلانية والتوبة إلى الله عسى الله أن يغفر ما مضى، ولكن كانت القلوب المريضة لا تستجيب إلى الصفاء والنقاء والعقل والسلم، وكانت محاولة الغدر الدنيئة رسالة أخرى من أفراد الفئة الضالة تؤكد أن ثقافة الدماء مستأصلة فيهم، وأن عقولهم ليس لديها الاستعداد لاستيعاب منهج العفو والتسامح واغتنام الفرص التي تتاح لهم لتصحيح المسار، فكان قلب الأمير معهم حباً ورحمة ورفقاً وإشفاقاً على مآلهم ومصيرهم وخاتمتهم، فلم يخطر بباله ولا ببال أحد أن من تمتد إليه يد الرحمة والرفق والحنان يواجهها بيد ملطخة بالدم ويد تحل الغدر والخيانة والشر واللؤم والحقد والكراهية.
نعم لقد هزت جريمة محاولة اغتيال الأمير الشاب المجاهد محمد بن نايف الذي أعلن حرباً لا هوادة فيها على الإرهاب مسترشداً بتوجيهات القيادة الرشيدة ورؤيتها في القضاء على فلول الفئة الضالة ومنفذا لتوجيهات سمو وزير الداخلية، وكذلك مد الأمير الفارس يده بيضاء من غير سوء لمن أراد التوبة وتصحيح المسار، وله مواقف مشهودة مع أسر وأبناء شهداء الواجب الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن والعقيدة وحماية الأمن وراحة المواطن والمقيم، وقدم الكثير من الخدمات ودعم وشارك في مناسبات اجتماعية تخص بعض من صححوا مسارهم ممن غرر بهم أصحاب الفتاوى التي تنضح حقداً وكراهية وتكفيرا وإرهاباً وعنفاً، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن ينجو الأمير طيب القلب والمقصد، وأن ينفضح زبانية الإرهاب وترويع الناس وسفك الدماء وعشاق الموت وأعداء الحياة والإنسانية.
لذا تعثر المجرم الخائن قاتل نفسه والمفسد في الأرض، ونجا الأمير الذي تحفه دعوات الملايين من الصائمين والمحبين له بصدق مثلما أحب الوطن وأخلص له وضحى من أجله، وفرح الجميع بنجاته وسلامته وتوالت التهاني من داخل المملكة وخارجها بسلامة الأمير محمد بن نايف ورسائل الاستنكار لهذه الفعلة الشنيعة التي لا تشبه المسلمين.
ختاماً نقول: إن الإرهاب يستهدف دائماً من يشكل خطرا عليه، وأن الأمير محمد بن نايف هو من يتولى ملف الإرهاب، وقد أحسنت القيادة إسناد هذا الملف الخطير لهذا الرجل القوي الحكيم صاحب التجربة والخبرة المصحوبة بالجوانب العلمية والفكرية، فضلاً عن الصدق والإخلاص في حب الوطن والدفاع عنه، والعمل على تطوير الأجهزة الأمنية مما مكن من دك حصون الإرهاب وكسر شوكته وجعله يتخبط، مما نتج عنه هذا الإفلاس الذي جعل المنتمين لهذا المرض العضال أن يتساقطوا إما على أيدي أفراد الأمن الأوفياء أو يموتوا منتحرين دون أن يحققوا هدفا لهم حتى لو كان هدفاً يائساً.
نقول عين الله رعت الوطن الغالي من كيد هؤلاء، ورعت الأمير الشاب المؤمن الحارس الفارس من غدر الجبناء، وإرادة الله أوقعتهم في شر أعمالهم، وفضحتهم أمام الملأ أعداء للدين والوطن والإنسانية والحياة، وفرحة العالم بنجاة الأمير البار المخلص، واستنكار المؤامرة الفاشلة الغادرة تدلان على الوعي العام بخطورة الإرهاب فكرا وعملا ودلالة على نهاية هذا الفصل المظلم الذي لن تقوم له قائمة بعد اليوم، فليهنأ الوطن بأمنه وليهنأ برجاله الشرفاء الأوفياء المخلصين، ولكن... فليحذر الغادرون الخائنون وإن تظاهروا بالندم والتراجع والرغبة في التوبة وتصحيح المسار، وليحذروهم ولا يأمنوهم حتى يثبتوا صدق نواياهم والحمد لله رب العالمين.