تعد جريمة الغدر التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف من صاحب الفكر الضال جريمة نكراء بشعة تلبست بثوب الرجوع إلى الحق، وقد كشف الله هذا الخائن فأهلكه الله بسوء عمله وأنجى الله الأمير وصدق الله إذ يقول: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (30) سورة الأنفال. ويقول جل وعلا: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (43) سورة فاطر.
وهذا الاعتداء عمل إجرامي كبير يعاقب عليه الإسلام بأغلظ العقوبات لأنه من الفساد في الأرض وعقوبة المفسدين في الأرض عقوبة كبيرة نزلت بها آية الحرابة وذلك في قصة الذين غدروا بعهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتوه مسلمين فأصابهم مرض بالمدينة وأشفق عليهم نبي الرحمة عليه الصلاة و السلام فأرسلهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها وألبانها حتى صحوا وسلموا من هذا المرض ولكنهم غدروا برعاة النبي صلى الله عليه وسلم وسملوا أعينهم وقتلوهم واستاقوا الإبل فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فسمل أعينهم جزاءً وفاقاً وقتلهم وأنزل الله بشأنهم آية تتلى في كتابه العزيز إلى يوم القيامة يقول الله عز وجل: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (33) سورة المائدة.
وهذه الحادثة المؤسفة والمؤامرة الفاشلة على الأمير محمد تعطينا أبعاداً كثيرة أبرزها ما يلي:
أولاً: أن دولتنا أعزها الله وقيادتنا الرشيدة تسير على طريق صحيح في دعوة أصحاب الفكر الضال إلى العودة إلى الحق رغبة في هدايتهم وإخراجهم مما هم عليه من الضلال والفكر المنحرف وهذا عمل مشكور يدل على الإخلاص والحرص على جمع شمل المسلمين وإبعادهم عن نوازع الشر والفتن.
ثانياً: أن هذه الجريمة النكراء التي اهتزت لها مشاعر المسلمين ومحبي السلام والأمن في العالم قد جاءت بسبب فكر منحرف دخيل على الأمة الإسلامية وقد حاربه المسلمون في كل العصور وجاءت الأحاديث الصحيحة بالحث على محاربته والتحذير منه وهذا يدل على خطورة هذا الفكر الضال على المجتمع ووجوب تخليص الناس من شروره وآفاته، ولذا فلابد من تعاون المجتمع في كشف أضراره ومحاربة كل من يقف وراء هذا الفكر وقد كتب الله النصر لمن ينصر دينه يقول الله عز وجل: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (40) سورة الحج.
ثالثاً: أن هذه المؤامرة الفاشلة ونجاة الأمير محمد تدل دلالة واضحة على حماية الله للذين آمنوا والدفاع عنهم يقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (38) سورة الحج. وكل غادر وخائن فإن شره يعود عليه فقد جاء في الحديث الصحيح: (من حفر لأخيه حفرة وقع فيها).
رابعاً: يجب أن يكون معلوماً لكل مسلم أن كل فكر يبيح تجاوز حدود الله وقتل الأبرياء وتكفير المسلمين وإلحاق الأذى بدولة الإسلام فهو فكر منحرف ضال خارج عن الإسلام تجب مقاومته ومحاربته لأنه فكر دخيل على الإسلام زرعه في نفوس بعض الشباب المراهقين أعداء الإسلام الذين يريدون تدمير المسلمين وتدمير دولة الإسلام ورموزها.
خامساً: إن من الواجب معرفة حقوق ولاة الأمر في هذه المملكة وما هم عليه من تمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية وخدمة الحرمين الشريفين وتأمين الطرق ونشر الأمن في ربوع المملكة وتأمين احتياجات هذه المملكة الاقتصادية والتعليمية وكافة مرافق الحياة مما لم يسبق له مثيل في جزيرة العرب وهذا يستدعي وجوب الدعاء لولاة الأمر بالتوفيق والتسديد ودوام العز ومناصرتهم والوقوف معهم وتأييدهم ومحبة من يناصرهم وبغض من يعاديهم.
سادساً: وجوب التحذير من الغلو والتشدد والتنطع ونشر سماحة الإسلام في المجتمع وقد جاء الإسلام بالنهي عن الغلو يقول الله جل وعلا: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) (171) سورة النساء. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو).
سابعاً: يجب أن يعلم الجميع من أفراد المجتمع أن هذا الفكر الضال قد تسبب في تفريق المسلمين وفي قتل الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتل أبي الحسن والحسين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو فكر الحرورية (الخوارج) الذي جاءت الأحاديث الصحيحة بقتالهم يقول صلى الله عليه وسلم: (يخرج عليكم أناس يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية قاتلوهم فإن في قتالهم أجر لمن قاتلهم).
وجاء في الحديث أن أصحاب هذا الفكر الضال هم الذين يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان ويستحلون دماء المسلمين، فهم أصحاب فكر ضال ومنحرف، وقد أجمع المسلمون على قتالهم كما فعل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قام بقتالهم، ولذا فمن الواجب التحذير منهم وعدم التستر على من يحمل شيئاً من هذا الفكر الضال والإبلاغ عنه كائناً من كان.
ثامناً: يجب أن يعلم الجميع أن هذه الجريمة البشعة التي أقدم عليها أحد أصحاب هذا الفكر الضال على الأمير محمد بن نايف الذي أنجاه الله من شره تعد من الجرائم الكبيرة فقد تعمد صاحبها قتل مسلم معصوم الدم والمال في شهر رمضان المبارك يسهر على أمن المسلمين والحجاج والمعتمرين ويؤدي عملاً عظيماً نافعاً للأمة والوطن في دولة تطبق شريعة الله وسنة رسوله عليه السلام.
تاسعاً: أن لطف الله وحمايته ونصره مصاحب لهذه الدولة الرشيدة ومن يتتبع تاريخ الدولة السعودية منذ نشأتها قبل ثلاثمائة عام يدرك تماماً عظيم نصرة الله لقادة هذه الدولة وإهلاك المناوئين لها وهزيمتهم سواء كانوا دولاً أو أفرادا، وهذا يدل على عظيم تأييد الله للقائمين على شرعه يقول تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (14) سورة الصف - ويقول جل وعلا: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (7) سورة محمد. وقد جعل الله هذه الدولة من أهم الأسباب في نشر الأمن والأمان والاستقرار والرخاء في جزيرة العرب وكانت هذه الجزيرة قبل هذه الدولة مسرحاً للفوضى والنهب والسلب والقتل والضياع والجهل، وقد دفع الله بهذه الدولة الفساد في هذه الجزيرة وهذا مصداق قوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (251) سورة البقرة. وجهود هذه الدولة المباركة عظيمة فقد قامت بعمارة الحرمين الشريفين عمارة تعد أبرز معلم إسلامي في التاريخ الحديث كما قامت بعمارة المساجد والمدارس والجامعات وفتحت الطرق وأقامت شعائر الدين ونشرت الأمن والرخاء في جميع ربوع المملكة، وجهود المملكة وأعمالها الجليلة يشهد بها القاصي والداني فجزى الله ولاة أمرنا كل خير.هذا ونسأل الله جل وعلا أن يديم الخير على بلادنا وعلى جميع بلاد المسلمين وأن يحفظ ولاة أمرنا من كل سوء ومكروه ويسدد خطاهم وأن يبارك في جهودهم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله صحبه أجمعين.
الرئيس العام لتعليم البنات سابقاً