إن الله سبحانه وتعالى وهب الحياة للإنسان، ووهبه العقل للحفاظ على حياته بما يتاح له من وسائل. والإنسان في جوهره وذاته يحب الحياة ويكره الموت، وهو في هذا يشترك مع سائر الكائنات الحية الأخرى.
ولكن مشكلة الإنسان في عقله الذي يبز به سائر المخلوقات الحية الأخرى، فأي خلل في عقل الإنسان وفكره قد يجعله ينحدر إلى الحضيض، ولا يعرف لقيمة الحياة معنى، وعقل الإنسان يتطور مع تقدم الإنسان في عمره، فهو مع هذا التطور معرض بأن يتلقى مؤثرات مختلفة قد تستمر في عقل الإنسان على مدى حياته وخصوصاً عندما يستقبلها في مرحلة الطفولة والفتوة والمراهقة والشباب، وهنا تكمن الخطورة، ففي هذه المراحل يكون الإنسان عرضة للتأثر بالآخرين ويتقبل عقله ما يملي عليه فقد يصبح الإنسان مسلوب الإرادة، يفتقر للتفكير المستقل، ويصير مطيعاً لغيره طاعة عمياء، والطاعة العمياء تفرض الجهل واللامبالاة فيمن يطيع، فليس من حقه أن يفكر أو أن يشك.. وقد تصبح الحياة عنده غير ذات معنى، وقد يصل إلى مرحلة الجنون، وقد يقدم على قتل نفسه مع قتل غيره وكأنه يحرك بمحرك ضابط - ريموت كنترول -.قد يقدم الإنسان مع حبه للحياة إلى أمر قد يؤدي به إلى الهلاك وهذا ما يقوم به الإنسان للحفاظ على أرضه - بلده - وعرضه، وهذا الفعل له ما يبرره، أما غير ذلك فهو نوع من الانتحار وقتل للنفس.
لقد تطرق الفيلسوف الألماني ايمانويل كانت Immanuel Kant 1724-1804 في فلسفته إلى ظاهرة الانتحار وهل يحق للإنسان أن ينتحر ويسلب حياته بنفسه؟ وقد وضع هذا الفيلسوف هذه القضية على هيئة أسئلة وأجوبة سنذكرها بتصرف من عندنا وهي: إذا تعرضت فكرة الحياة لمحن ومصائب في حياة الإنسان، فهل يحق له ان ينتحر؟ وهنا قد يكون جوابه حباً لذاته وبسبب هذه المحن والآلام سيقول نعم انتحر. وهنا فهل حب الذات يفهم على هذا النحو؟ والجواب كلا (لأن الطبيعة التي سيكون قانونها هو تدمير الحياة نفسها بواسطة نفس الشعور الذي وظيفته الخاصة هي الحث على تنمية الحياة وحبها والحفاظ عليها، مثل هذه الطبيعة ستكون متناقضة مع نفسها ولن تبقى إذن بوصفها طبيعة - أو حياة -. وإذن فهذه القاعدة لا يمكن مطلقاً أن تشكل مكانة قانون كلي للطبيعة، وهي بالتالي مضادة للمبدأ الأعلى للواجب). وبعبارة أبسط: من المستحيل أن نتصور أن الطبيعة التي قانونها هو المحافظة على الحياة وتنميتها، تقرر القضاء على الحياة بسبب ظروف عارضة وانفعالات ذاتية، إذا كان حب الذات يقتضي البقاء في قيدة الحياة، فكيف يقتضي بعد ذلك لظروف عارضة، القضاء على الحياة؟!لقد احتار العقل في فهم الدوافع التي جعلت ذلك الشباب والذي هو في مقتبل العمر والحياة فاردة يديها أمامه أن يقدم على محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، وكيف ومن هيأه وجهزه ولغمه لفعل ذلك، ومن هو الذي سلب منه عقله وجعله يتحرك كالبهيمة ونزع من تفكيره حب الحياة التي منحه الله، وهل هذا الفعل هو نتيجة لما صب في عقله وهو في مرحلة شبابه من خرافات دينية دفعته لأن يهلك نفسه ويهلك آخرين معه. اني أتخيل ذلك الإنسان الذي أرسل هذا الشاب المسكين إلى حتفه ونحره قبل أن ينحر نفسه وهو جالس في أحد غيران جبال اليمن وهو يأكل ويشرب ويدعو للمسكين بالجنة والمغفرة.